Home»Régional»حكايا استاذ متقاعد : عندما يتألق الأستاذ

حكايا استاذ متقاعد : عندما يتألق الأستاذ

0
Shares
PinterestGoogle+

في مسيرة كل متعلم ذكرى مدرسين يظلون محافظين على مكانتهم في القلب، كل بحسب طبيعة جاذبيته.
لقد تأثرنا بجل من علمونا، لكن بعضهم يأبون الا أن يستأثروا بالتميز.
أدين للعديد من هؤلاء الذين ساهموا في بناء شخصيتنا بكثير من الفضل في كل مراحل التمدرس، لكنني لن أنسى أحد أساتذتي من الفرنسيين بمدينة جرادة.
كان المسيو،، ايميو،، يدرس اللغة الفرنسية بطريقة ينفرد بها عن غيره.
هو رجل لا يشارك بني جلدته في لونهم الأشقر، حيث كان شعره يميل الى السواد ويأبى التصفيف بسبب تجعده مما جعل التلاميذ يختارون له اللقب المناسب، حيث صاروا يسمونه،، الزكراوي،، وذلك ربما لشبه يتقاسمه مع احد المنحدرين من هذه القبيلة!
ولعل ما ساهم في تميز شخصيته، انه كان يكتفي في هندامه بسروال واحد طوال السنة الدراسية الى أن يصبح الوسخ ظاهرا للعيان.
لم يكن أمامنا من تفسير لهذه المسألة الا ما كان من رغبة في التقشف لتوفير المال، وهو ما تاكد لنا في السنة الموالية عندما عاد الرجل رفقة زوجته هذه المرة يقود سيارة ،، السيتروين،،!
لن يعترف بفضل هذا الأستاذ الا من درس الفرنسية على يديه،
فقد انفرد الرجل بأسلوب خاص في التبليغ وصرامة في المحاسبة على التقصير.
لقد تميز هذا المدرس في مسألتين رئيسيتين:
تلقين النحو، ثم تدريس المؤلفات.
خلال درس القواعد، يعمد الأستاذ الى حفز المتعلم على ان يبني الدرس بنفسه، حيث يطلب على سبيل المثال فعلا متعديا في زمن ما، ثم يطلب ان يضاف اليه فاعل ومفعول…
وعند كل تغيير يعمل على تحقيق الهدف الذي يسعى اليه
باشراك التلميذ، فاذا انتهى الدرس، كان كل شيء قد رسخ في الذهن، ولا حاجة لحفظ معطيات ساهم في استخلاصها.
أما بخصوص دراسة المؤلفات، فان الحصة تتحول الى متعة حقيقية، ذلك أن هذا الاستاذ كان ممثلا بارعا في التشخيص
وتمثل المواقف مما يحول الأحداث الى وقائع حية لا يسع الجميع الا الانخراط فيها.
أذكر أن أستاذنا قد جعلنا متلهفين لحلقات رائعة Alexandre Dumas: Les trois Mousquetaires ,التي يسهب في تحليل شخوصها التاريخيين: Athos, Porthos,Aramis D,Artagan
كان يحرص على اختيار تلميذ لكل واحد من هؤلاء الشخوص، بينما يختار اخر لدور الكاتب،ثم تنطلق الاحداث التي يديرها الاستاذ ببراعة المتمكن من سلعته مما يخلق في الفصل جوا حماسيا يثير في النفس فضولا للبحث في كنوز الفرنسية، بينما يكتفي مدرسو لغة الضاد بنشر العقم!
كنا نتنافس في استيعاب الأحداث المتوالية للرواية حتى يكون اللقاء في القسم لاظهار التمثل بدل الانشغال بالجزئيات التي يقف عندها المتعثرون من التلاميذ.
لقد غرس فينا المسيو ،، ايميو،، حب الفرنسية وادابها، واستطاع أن يرفع من شأن كل الكتاب الذين درسنا نصوصهم، لأن هذا الرجل ومواطنيه يؤدون الرسالة كاملة، فهم ممثلو لغة يحرصون على أن يحببوها للاخرين بالاقناع والذكاء!
لم يكن اسلوب التبليغ هو كل ما جعلني اتعلق بشخص هذا الاستاذ، بل اخلاصه في عمله، فقد كان على خلاف معظم زملائه حريصا على ان تظل وتيرة ادائه بنفس الايقاع من بداية السنة الى نهايتها.
في اواخر العام الدراسي، عندما يخبو حماس المدرسين والمتعلمين ، ويستبدل التحصيل بالهزل في انتظار العطلة، فان المسيو،، ايميو،، كان يشكو الانقطاع المبكر لمعظم التلاميذ، فيعاتنبا قائلا: أيسركم أن تتركوني لوحدي منذ الان؟
كنت ومجموعة من الزملاء نحرص على ان ننهل من عطاء هذا الرجل الى اخر لحظة، فيودعنا بلباقة املا ان يتجدد اللقاء في السنة الموالية.
مرت عقود عديدة ولا زال ذكر المسيو،، ايميو،، حاضرا، بالمقابل، يحضر الوضع السوريالي لمدرستنا، حيث ضعف الطالب والمطلوب، فالمتعلمون يسعون الى جعل الغش حقا مكتسبا، اما المدرسون، فقد اصبحوا مغلوببن على أمرهم امام جيل يتفنن في كل شيء الا التنافس على التحصيل الشريف!

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *