أحمد الجبلي
لقد دأب العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة على  الحديث حول التسامح والحوار إسهاما منه في تثبيت قيم التقارب بين الحضارات عوض تباعدها، وتلاقيها عوض تنائيها، وزمالتها وتكاملها عوض صراعها وتدابرها.
إن الدكتور مصطفى بن حمزة، حينما يتحدث في هكذا موضوع، إنما يتحدث عنه من موقع العارف والملم بثقافة وفكر الغرب وتاريخه وماضيه وحاضره، وقد ساعده في ذلك كونه أحد أهم الشخصيات البارزة الإسلامية التي حضرت لمجموعة من الحوارات مع الحضارات الأخرى سواء بإسبانيا أو هولاندا وغيرهما من الدول التي احتضنت مثل هذه الموائد.
وحتى من خارج دائرة الحوار مع الغربيين،  لقد ظل الرجل نبراسا ينير فكر المسلمين في الغرب، حيث أينما حل وارتحل سواء في دول أوربا أو أمريكا إلا وكان خطابه خطاب المؤمن بضرورة ترجمة الإسلام كسلوك حضاري راقي، والمشبع بفكر الاندماج الإيجابي المساهم في تنمية تلك البلاد بإشاعة الخير والتعامل مع الآخر بكل الاحترام والتقدير، والعمل على إعطاء صورة جيدة ومشرقة للإسلام كدين حب وسلم وتسامح وتعاون على ما فيه خير للناس دون النظر إلى هويتهم أو جنسهم أو دينهم.
إن نظرة العلامة الدكتور بن حمزة إلى حوار الحضارات تمتاز بكونها نظرة متأنية ترتكز على مجموعة من النقاط منها:
1     الحوار الحضاري آلية من أجل خلق مجتمع جديد يرتقي فيه الإنسان.
2     ضرورة الحوار البيني بين مكونات الأمة الإسلامية للتعرف على ثقافات جميع المكونات، في أفق التعايش بين جميع الطوائف والمذاهب المتواجدة في الدول الإسلامية.
3    انسداد أفق الحوار مع الغرب.
4    التوجه بالحوار نحو الشرق عوض الغرب.
إن العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة، من موقع العالم الملم بالعلوم الشرعية، خير من يتحدث عن أصول وأحكام التعايش في الإسلام، وخير من يتحدث عن التاريخ الإسلامي الذي يترجم عمليا كيف كان المخالفون أبناء الحضارات الأخرى يعيشون وسط المسلمين وهم يتمتعون بحقوقهم كاملة. كما أنه قل ما يوجد مثله في الوطن العربي الإسلامي ليحاور الغرب، لعلمنا بأن الرجل ما ترك منهجا ولا مدرسة ولا توجها في الفكر الغربي أو الشرقي إلا درسه واستوعبه وعلى رأس ذلك كل ما له علاقة بحوار أو صراع الحضارات.
وإذا كان ليس كل ما يريده المرء  يدركه، فإن ما يريده العلامة مصطفى بن حمزة ويطمح إليه، كما يطمح إليه كل مسلم، هو أن يتحول العالم في تعايشه وتسامحه  وتعاونه تماما كما كان على عهد المسلمين الذين أسسوا حضارة استطاعت استيعاب جميع المخالفين وعلى رأسهم اليهود والنصارى في مجتمع واحد حيث يمكن أن يحكم القاضي المسلم لصالح اليهودي حتى ولو كان الخصم رئيس الدولة الإسلامية…
ولكن أمورا كثيرة حالت وتحول دون نجاح هذا الحوار والتي يحددها العلامة في أمور كثيرة منها أن جميع الأطروحات التي كانت تنظر إلى نفسها على أنها قادرة على إنقاذ الإنسان وترقيته قد تهاوت، وأن الجهات المعنية بالحوار تعلم أن الإسلام هو البديل المتاح في المستقبل، مما جعلها تولع باختلاق أسباب التباعد والتنائي، وتعلن نظريا وعمليا منطق الصراع كأسلوب تسويقي قائم على رغبة في الهيمنة والاستيلاء على خيرات الشعوب. توازيه عولمتها التي تسعى إلى تنميط الحياة الثقافية والاجتماعية لشعوب العالم.
ومن العوائق النفسية التي يذكرها العلامة بن حمزة شعور الآخر بالعلو والسمو في تعامله معنا نحن المسلمين، وذلك انطلاقا مما يؤمن به من نظريات إغريقية منها نظرية أرسطو التي ذهبت إلى تقسيم الأفراد إلى أن منهم من هو حر بالطبيعة،  ومن هو عبد بالطبيعة. لأن الطبيعة التي تخص كائنا بالعقل والتبصر تجعل منه سيدا إلى الأبد،  وهي حين تخص كائنا بخصائصه الجثمانية تجعل منه عبدا صالحا لخدمة السيد إلى الأبد.
ووفقا لهذا المنحى لجأ الآخر إلى استعمالات متعددة منها توظيفه للاستشراق والكنائس ووسائل الاتصال المتطورة كالسينما من أجل إعطاء صورة مشوهة قاتمة عن الإسلام والمسلمين وخلق ما يسمى بالإسلاموفوبيا لمزيد من التخويف والترهيب، وكمبرر يسمح له بالإجهاز على القيم الإسلامية، ويرى صاحب كتاب  » من قضايا الفكر واللغة » أن الغرب لم يكن جديا في مطلبه للحوار مع المسلمين، وإلا كان قد جد في تعلم اللغة العربية التي تعد وعاء الثقافة الإسلامية، بل بالعكس فهو يضايقها ويسحبها من التداول بين أبنائها.
وقبل الحديث عن الحوار البديل الذي يراه العلامة بن حمزة مكان الحوار مع الغرب، لابد من الحديث عن الحوار البيني بين مكونات المجتمع الإسلامي الواحد، وعن الأسباب والدوافع التي دفعت بالدكتور بن حمزة إلى دمجه في سياق حديثه عن الحوار بين الحضارات،
إن صاحب كتاب « نظرية العامل في النحو العربي » يرى أن المواجهات الثقافية الدائرة بين المسلمين وثقافات أخرى تدخل من ضمن مشروع يهدف إلى زرع التوتر الداخلي حتى  يتعطل مشروع انتشار الإسلام  في العالم. كما أننا نفهم من السياق أن اعتماد الحوار داخليا بين مكونات المجتمع المسلم من شأنه أن يقوي التماسك الداخلي ويعطي صورة إيجابية عن التعايش والتسامح بين الفرقاء في ظل المجتمع المسلم رغم اختلاف التوجهات والمذاهب.
وانطلاقا من القول بأن العالم أوسع من أن نحصره في الغرب، يتساءل فضيلته لماذا لا يتم تحويل هذا الحوار نحو الثقافة الشرقية التي هي بطبيعة تكوينها الروحي وبإنسانيتها أقرب إلى كياننا الحضاري.