جرادة : حاسي بلال تحتج على التهميش وتعثر المشاريع
أقدمت ساكنة حاسي بلال على القيام بحراك احتجاجي يوم 17 / 05 / 2017 تمثل في مسيرة جابت مجموعة من الأحياء وبوقفات احتجاجية رفعت شعارات منددة بواقع التهميش الذي تعيشه … الانتفاضة كانت منفصلة عن أي دعم سياسي أو حقوقي بقدر ما كانت حركة شعبية حاملة لمطالب اجتماعية ومنادية برفع حالة التهميش والعزلة التي تعيشها حاسي بلال حيث حَوَََّل الإغلاق جرادة إلى بؤرة من الفقر والضياع الذي تمركز في حاسي بلال حيث سكنت عائلات فقيرة الأحياء التي تركتها شركة مفاحم المغرب والأحياء العشوائية التي نبتت بجوار تلك الأحياء تغيب فيها البنية التحتية والمسالك والممرات وأصبحت حاسي بلال تعيش حالة من التهميش الرهيبة فكل شيء من إدارات ومصالح تمركز في جرادة ، وظلت حاسي بلال متخلفة عن التحولات التي عرفتها جرادة .
ورغم أن جرادة كانت مدينة عمالية عرفت رواجا اقتصاديا مهما إلا أنها لم تعرف أية تهيئة عمرانية وظلت تعيش العشوائية والفوضوية الأمر الذي جعل المدينة عبارة عن تجمع سكاني لأحياء متناثرة تنعدم فيها البنية التحتية باستثناء أحياء تركها الاستعمار ، وتمثلت العشوائية بعنف حيث السكان الذين هاجروا إلى جرادة كانوا يعيشون على أعمال هامشية مرتبطة بحاجيات العمال . ولا تزال بعض الأحياء تطالب بإعادة هيكلة الواد الحار- علال بن عبد الله وطارق بن زياد والمختار السوسي – الموروث عن مرحلة الاستعمار والذي يتعرض لاختناقات حيث يسيح على الأرض تاركا وضعا بيئيا خطيرة على الصحة …
وان كانت الدولة تريد تدارك ذلك الخصاص المهول الذي فرضته العزلة على الأحياء التي تعمقت بعد الإغلاق ، بتجديد البنية الطرقية فإن تعثر وتأخر الاشغال عقد من الحركة داخل المدينة حيث تمتنع وسائل النقل الخاصة عن الوصول الى بعض النقط .
كما أن الجهات المنتخبة لم تقدم الشيء الكثير لجرادة ماعدا أنها اعتبرت حاسي بلال خزانا انتخابيا حيث كانت الأحزاب تستفيد من واقع التهميش إذ كانت تتم استمالة الساكنة بطرق غير قانونية استفاد منها الأباطرة للوصول إلى البرلمان بدعم من بعض الأحزاب ،وقد افتقدت السياسة بالمدينة عفويتها فأضحت نزالا بين الأباطرة الذين لا يحملون مشاريع سياسية غير ما تقدمه لهم السياسية وقربهم من السلطة من امتيازات ، فيما المدينة تموت في صمت ، فأرباح الأباطرة تتزايد على حساب بؤس عمال الآبار الفحمية …
المورد الاقتصادي الوحيد تمثل في أبار الموت المنتشرة بمحيط المدينة ، الذي أنتج ضحايا فقدوا حياتهم تحت الردم ، كل مأساة من المآسي كانت تخلق حراكا اجتماعيا رافضا لهذا الوضع ، وللأسف كانت الدولة تغلب المقاربة الأمنية التي كانت عنوانا من عناوين سنوات الرصاص ، وعلى حساب حلول اجتماعية واقعية تقف على أسس قانونية تضمن حقوق جميع الأطراف ليؤكد المغرب انه دولة ديمقراطية ودولة الحق والقانون ، فالأجيال الحالية تطالب بالإنصاف والتوزيع العادل للثروة ، وليست مستعدة الى مزيد من الانتظار ، ولا يزال ملف مرضى السيليكوز ملفا مشتعلا ، وسيتعمق هذا الملف مستقبلا نظرا لحجم الضحايا الذي سيكون في صفوف الشباب الذي يشتغل داخل الآبار في ظروف بدائية قاسية وحاطه بالكرامة الإنسانية ، وبدون تغطية صحية وستكون كلفة هذا الملف ثقيلة على الأسر وعلى المدينة وعلى البلاد ككل ، حيث أن السيليكوز ظل منذ الإغلاق الملف الحارق الذي خلف حراكا اجتماعيا لضحايا شركة مفاحم المغرب الذين كانت لهم وذويهم حقوق ، هذه الحقوق التي كانت ولازالت تتعرض للانتهاك والاقبار ، فقد ظل هذا الملف في الواجهة ، ولم يهدأ نتيجة تعقيداته من حيث الجانب الصحي والجانب القضائي والجانب السياسي والجانب الاجتماعي ، وكل محاولات الإطارات السياسية الناضجة والمجتمع المدني والحقوقي اصطدمت بتعنت ادراي في إقرار بعض الحقوق ، ولم يكن للمسؤولين على المستوى المركزي والمحلي الوعي الكافي لتفهم تعقيداته والتجاوب مع مطالب هذه الفئة ولم يعمل المسؤولون الذين تعاقبوا على جرادة سوى تقديم حلول تسويفية مناورة لم تزد إلا من تعميق المشاكل … المستشفى الإقليمي الذي يبعد عن جرادة بعدة كيلومترات يفرض على ساكنة حاسي بلال رحلة شاقة من اجل علاج لا يرقى إلى مستوى التدخل ألاستعجالي وتتعمق المأساة حيث لا تتوفر وسائل النقل في كل الأوقات ولا يمكن الوصول إلى المستشفى إلا عبر جرادة ،م ا يعني ان الكلفة والمجهود مضاعفان ، وأمام ندرة الموارد البشرية كثيرا ما يكتظ قسم الاستعجالات في غياب طبيب مداوم ، وقد أكد مندوب الصحة حالة العجز وغياب الموارد البشرية على أنها مشكلة وزارة …
الغريب أن العديد من المنجزات بقيت معطلة كالمحطة الطرقية والسوق الأسبوعي وتحولت إلى عبء على المدينة رغم أنها استفادت من تدشين ملكي ولم يثمر الحراك الذي قام به التجار الفراشة في الاستفادة من السوق الأسبوعي ليتحول إلى سوق يومي يستفيد من خدماته المواطنون والتجار … وكمواطنين لا نفهم أي دور للإدارة والسلطة إذا لم تتجاوب مع مطالب المواطنين … المستشفى الإقليمي الذي دشنه الملك افرغ من كل أهدافه سواء من حيث التجهيزات والموارد بشرية والأهداف المرسومة ولقد وجدت أوقات لم يتوفر فيها الطبيب المداوم لاستقبال الحالات الاستعجالية خصوصا بالنسبة للأطفال , وهنا يحق لنا أن نتعجب كيف إن غزة التي تعاني الحصار تتفوق على المغرب فيما يخص الطب ألاستعجالي ، وللأسف الحكومة وطدت الطريق لخدمة الطب الخاص على حساب الطب العمومي لأن تراجع الخدمات العمومية يهدف إلى دفع المواطن إلى الخاص الذي حول الصحة في المغرب إلى تجارة تبيض ذهبا … ونعتقد أن المغاربة لا يطلبون شيئا ملحا أكثر من أن تنجح الحكومة في الرقي بمنظومة الصحة ، وأمام الاختلالات التي عرفها المجال الصحي بالإقليم كانت تقام وقفات احتجاجية انتهى بعضها بالمحتجين أمام القضاء بدعوى الاعتداء على الأطر الطبية ، ولم يكن المندوب يجد من جواب سوى إلقاء المسؤولية على الجهات المركزية التي لم توفر الموارد البشرية …
لا يمكن لأحد أن ينكر حجم الأموال التي تصرفها الدولة على المشاريع ، لكن لا تنتهي هذه المشاريع إلى أهدافها المرجوة نظرا لغياب الحكامة والتلاعب وعدم احترام دفتر التحملات… وغياب لجان مسؤولة عن المتابعة وتقييم الأهداف… والحقيقة أن تلك الأموال لا تخرج إلا من جيوب دافعي الضرائب ، فهل ليس للمواطن الحق في التنديد بما يقع من تجاوزات …
الدور الذي قامت به الدولة في استنزاف الأحزاب والنقابات والمجتمع الحقوقي ضرب في الصميم الوساطة التي كانت تلعبها هذه التنظيمات جعل الدولة اليوم تجد نفسها في مواجهة حركات احتجاجية مختلفة الأبعاد ، فما يعرف بالأحزاب الإدارية لم تكن قادرة على ملء الفراغ رغم كل الإمكانات المادية التي توفرت لها ، وكثيرا ما كان يتم التنبيه إلى أن المنطق الذي تدار به السياسة في البلاد سيجعلها أمام وضع جديد غير متحكم فيه بينما ستتوسع قاعدة الشعبوية والتطرف والفوضوية ، فالمراقبة اللصيقة لنشاط النخب السياسية التي كانت تقوم بالتاطير السياسي أبعدتها لصالح الشعبوية التي وجدت المجال خصبا في واقع التهميش والفقر والأمية … كان يمكن الإنصات إلى هذا المجتمع المدني الذي وجد نفسه محاصرا ممنوعا سياسيا وثقافيا وحقوقيا ، وها هي اليوم الدولة تعاني ، والكل يضع يده على قلبه خوفا على الاستقرار ، ونحن نرى اليوم كيف أن فرنسا فتحت لأبنائها طريقا آخر سيقوده رئيس شاب بواقعية سياسية تريد أن تجيب عن المعضلات الاجتماعية التي تعانيها البلاد والتوجه إلى أفاق مستقبلية داخل الاتحاد الأوروبي …
عندما يطالب مواطن بطريق سالكة توصله إلى منزله ، وعندما يطالب مواطن بطبيب مداوم يخفف عنه حرقته عن ابنه الذي تحرق الحمى جسده ، وعندما يطالب مواطن ببنية تحتية تبعد عنه روائح العار التي تزكم الأنوف ، وعندما يطالب مرضى السيليكوز بجرعات الأوكسجين والجواب عن حقوقهم المهضومة من الصحة والعدالة … ، وعندما تطالب الأرامل اللواتي انتهى بهن الأمر خادمات في البيوت … بحقوقهن التي رافقت أزواجهن إلى القبر ، وعندما يطالب الشباب بحقهم في شغل يضمن لهم الكرامة التي تتمرغ يوميا في سواد آبار الموت القاتلة … وعندما … وعندما …
هذا ما تطالب به ساكنة حاسي بلال وهو لا يحتاج إلى خوارق وموارد مالية كبيرة ، بل يحتاج إلى إرادة ومسؤولية وتفهم للحقوق ، أليست هذه المطالب من الحقوق الدنيا التي لا زال بعض المغاربة في قرن الواحد والعشرين يطالبون بها ؟ أليس هذا عار في مغرب نريده بلدا لكل المغاربة …
ف – ج
Aucun commentaire