الفلوجة وهذا الصمت المريب!
كأن هذا العراق لا بواكي له!
كأن الفلوجة والرمادي وبعقوبة والموصل والناصرية والنجف وكربلاء ليست مدناً عربية.. كأنها ليست اجزاء عزيزة من الوطن العراقي، ومن الوطن العربي الكبير!
كأن الأمر لا يعني أحداً من العرب الرسميين!! أو كأنه يحدث في جزر الواق واق!!
ردود الفعل العربية الرسمية لم تتجاوز الصمت، إلا إلى شيء محدود من التحذير الخجول والانتقاد الخفيف الذي أبدته الجامعة العربية عبر تصريحات مقتضبة ادلى بها عمرو موسى.
وردود الفعل الشعبية لم تخرج عن الصمت هي الأخرى إلا ببيانات تفتقد الى الحرارة، وتبدو فيها روح المداهنة، وعلى شيء من المجاملة!! والشوارع التي كانت تغضب، لأدنى ضرر يصيب المصلحة العربية، سادها الهدوء والنظام.
وقد لا يكون للغضب وحركة الشوارع فائدة كبيرة، ولكنها كانت تعبيرات عن مواقف وعن مشاعر وأحاسيس. واظن ان هذه كلها الآن قد تبلدت.. واصبحنا نتسمّر امام اجهزة التلفاز عبر الأقمار الصناعية، وننظر الى ما يحدث كأنه فيلم اميركي طويل.. وممل! نتثاءب.. ونضرب أكفنا بعضها.. ببعض. وقد نولول… او نحوقل… او نعبر عن أسفنا بعبارة واحدة: أين العرب؟ أين الزعماء؟ أين القيادات؟ أين الدول العربية؟
والفلوجة، وهي كالعراق، وكفلسطين، لا بواكي لها تضرب المثل في البسالة والشجاعة والمقاومة والمواجهة، ولكن بعض اعلامنا «الجريء» كله، لا يتركها في حالها، بل يذهب الى تقسيم المقاومين الى مسلحين وارهابيين وعصابات مسلحة، ومتمردين، وغير ذلك من التسميات التي يوزعها الإعلام الأميركي والإسرائيلي فنتلقفها نحن كأنما اكتشفنا كنزاً! فاذا المقاومة: إرهاب.. وإذا هي «مقاولة»!! واذا هي «تمرد»، واذا هي «خروج مسلّح على القانون»، و«عصيان».. وإذا نحن في حاجة الى من يطهر الارض منها سواء أكانت العراق ام في فلسطين أم في لبنان!!
لك الله أيتها الفلوجة الصابرة! فلم يعد لدينا إلا هذه الصرخة المتحسرة! ولم يعد لدينا الا ان نكرر تلك المقولة التي قالها محمود درويش ذات يوم حصار بيروت الشهير الذي فرض على المقاومة الفلسطينية في لبنان.. والحركة الوطنية اللبنانية.. «يا وحدنا»! ولكن من قال ان المسألة العراقية تشبه حصار بيروت! لقد كان في تلك المرحلة الذاهبة من السبعينات من يقول: لا.. لا! وكان فيها من يؤيد ويتظاهر، ويعبر عن موقفه! أما الآن فليس هناك إلا هذا الصمت الرهيب! وليس للفلوجة والرمادي وبعقوبة وتلعفر، والموصل، وعامرية بغداد.. والأعظمية والكاظمية.. وغيرها من مدن العراق إلا ان تقاتل بصمت!! او تموت بصمت!! او تستسلم للغزاة باسم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.. فتحت هذا الاسم يموت كل يوم مئات العراقيين والعراقيات وتدمر مدنهم وقراهم، ويقتل أطفالهم! ولا يبقى إلا صوت كوفي عنان التحذيري المتردد وإلا أصوات خافتة بقايا اليسار الأوروبي والأميركي، ولبعض ذوي البصر والبصائر من كتاب القارة العجوز، او مخرجي الأفلام الأميركية!
ماذا يمكن أن نقول للفلوجة المدمرة حتى مستشفياتها! والمشرد سكانها، والمسواة دورها السكنية بالارض على يد محرريها وأعوانهم؟! والقادمين معهم على ظهور دباباتهم!
ماذا يمكن ان نقول للجثث المتفحمة في شوارعها وأزقتها؟! ماذا يمكن ان نقول للإنسانية البائسة التي تجأر بالشكوى من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.. ومن زيف الشعارات وبؤس التنظيرات وموت الضمير! وغياب الارادة!
أليس لسائل ان يسأل: أين أبو مصعب الزرقاوي المزعوم بعد هذا الدمار الهائل كله لمدينة أدعوا انها تؤوي الارهابيين وتحميهم؟! وأين هم هؤلاء الارهابيون المزعومون؟!.. وهل يكفي وجود عرب ومسلمين مسلحين في العراق ليكون ذلك دليلاً على الإرهاب؟! وماذا تكون اذن مئات الألوف من قوات أميركا وحليفتها العجوز؟!
محمد ناجي عمايرة
Aucun commentaire