ما قل ودل من فكر العلامة مصطفى بن حمزة -9- التسامح الإسلامي مع غير المسلمين
أعده للنشر: أحمد الجبلي
يعد الجهل بالفقه الإسلامي فيما يتعلق بقضايا ترتبط بغير المسلمين كالحرية في التدين أو ما يتعلق بالكنائس والبِيَع والأديرة، مصيبة ابتليت بها بعض الفرق الإسلامية في هذا العصر، مما أدى إلى العديد من الانفلاتات والسلوكات الشاذة التي مردها إلى الجهل وضعف الاطلاع والقراءة والزهد في معرفة أحكام الإسلام، هذا الإسلام الذي يرفع العذر عن الجهل في دياره، أي كما يقال: « لا عذر للجهل في ديار المسلمين ».
ولهذا نجد جل كتابات العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة وخطاباته ومحاضراته تنحى منحى رفع الالتباس وتعليم الجاهل تعاليم دينه التي تؤسس لفكر التسامح والحرية وحسن الجوار العقدي، وفي هذه الحلقة سنبين ماذا قال فضيلته في شأن التسامح الإسلامي مع غير المسلمين:
من التصرفات التي ميزت حضارة الإسلام في التعامل مع غير المسلمين من يهود ونصارى ومجوس عدم التعرض لمعابدهم بالهدم أو الإزالة. وهو الأمر الذي نصت عليه الكثير من المواثيق التي عقدت معهم، ومن ضمنها العهدة العمرية.
فقد كتب عمر بن الخطاب لأهل إيليا عهدا نص على إعطائهم الأمان على أنفسهم وكنائسهم وصلبانهم سقيمها وبريئها وسائر ملتها أنها لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم.
وقد بحث الفقه قضايا إنشاء الكنائس والبيع والإبقاء على الموجود منها. فكان موقفه أن بناء الكنائس يظل مرتبطا بالحاجة إليها. فلا تبنى في الأمصار التي ينشؤها المسلمون لا تكون بها ساكنة من غيرهم لعدم وجود الداعي إليها.
لكن المسلمين إذا هم مصروا أرضا كانت خالية وكانت بها كنيسة أو دير أو بيعة فصار ذلك داخل البلد فإنه يحافظ عليه اعتبارا لأصل وجوده، وإن كان أغلب الساكنة من المسلمين. وهذا ما حدث في القاهرة التي كانت من قبل فضاء به كنائس ثم أدار بها المسلمون السور فأصبحت الكنائس داخل المدينة الإسلامية، فحافظ عليها المسلمون ضمن نسيج عمراني إسلامي.
ومن الأحكام المتصلة بوجود الكنائس في بلاد المسلمين أن الفقهاء ذكروا أنه يستحب للإمام أن يشترط على غير المسلمين أن تحتوي الكنائس على منازل للضيوف المسلمين، وهو ما صالح عليه عمر أهل الشام إذ اشترط عليهم السماح للمسلمين بالنزول بالكنائس بالليل أو النهار وأن توسع أبوابها لمن يرغب في دخولها.
واشتراط الضيافة يؤدي إلى التواصل وإلى فتح النقاش حول العقيدة وهو ما يؤدي غالبا إلى معرفة الحقيقة.
ولقد بلغ من تسامح المسلمين أن الخليفة المامون أصدر كتابا لأهل الذمة يضمن لهم فيه حرية الاعتقاد وحرية تدبير كنائسهم..كما أن المسلمين لم يمنعوا غيرهم من ممارسة طقوسهم الدينية وإحياء أعيادهم، فظلوا يحتفلون بأحد الشعانين والخميس المقدس وعيد الفصح وغيرها من المناسبات الدينية، وكان المسيحيون يخرجون في مسيرات كنائسية وهم يحملون أغصان الزيتون وجريدة النخل والصلبان.
يقول ول ديورانت: لقد كان أهل الذمة المسيحيون والزرادستيون واليهود والصابئون يستمتعون في عهد الخلافة الأموية بدرجة من التسامح لا نجد لها نظيرا في البلاد المسيحية… ويحدثنا المؤرخون أنه كان في بلاد الإسلام في عصر المامون أحد عشر ألف كنيسة، كما كان فيها عدد كبير من هياكل اليهود ومعابد النار.
Aucun commentaire