إننا ندمر أبناءنا بأيدينا
أحمد الجبلي
لم يعد التدمير فقط من المهام المنوطة بالماكينات العسكرية من طائرات وصواريخ ودبابات ومدافع فحسب، فهذه الوسائل من وسائل التدمير تقوم بتدمير فقط ما هو مادي من منازل وجدران ومنشآت و حتى أجساد الناس وأجسامهم، ولكن تمة نوع آخر من التدمير يعد الأخطر على الإطلاق وهو تدمير الروح والفكر والقيم.
إن هذا النوع من التدمير هو نفسه ينقسم إلى قسمين قسم منه يتعلق بتدمير القيم والفكر لدى الإنسان اليافع الراشد الذي من المفروض أن يمتلك من المعرفة والفكر والقيم ما يجعله قادرا على حماية نفسه، وقسم يعد الأخطر والأكثر فتكا وهو عندما يتم تدمير الفطرة السليمة التي فطرها الله تعالى، وهذه الفطرة هي فلذات الأكباد بالنسبة لكل والد ووالدة.
إن وسائل التدمير تتنوع وتختلف وقد ازدادت اتساعا وتنوعا في عصر التكنولوجيا الرقمية، إن السينما والتلفاز والجريدة والكتاب، هي وسائل تدمير كلاسيكية لكن استطاعت الأجيال القريبة الماضية أن تنجو من شرها لأنها قد امتلكت قيما مجتمعية أصيلة مكنتها من توظيفها لصالحها وتبني على غرارها ثقافة ونمطا في الحياة قوامه الأخلاق والأدب وتقدير الوالدين واحترام الجيران واعتبار المعلم أبا ثانيا له كل التبجيل والإجلال.
أما وسائل التدمير الحديثة كالهاتف النقال والآي باد والطابليت والحاسوب المتصل بشبكة النت أو الويفي، عندما لا يحسن استعمالها، يمكن اعتبارها وسائل تدمير لا يمكن تدميرها بشكل مباشر بالقطيعة أوالإتلاف أو عدم اقتنائها لكونها وسائل يمكن التحكم فيها لأنها مجرد آليات جامدة.
وحتى إذا أمكننا تدميرها والتخلص منها، والرجوع إلى نمط العيش الأكثر سلامة لأبنائنا، فمن غير الممكن القضاء على الآثار التي خلفتها لأن دورها سيستمر بأعنف ما يكون في تغيير سلوك الأبناء وتطبيع الرغبات ونمط الحياة بتأثيرها على الناشئة من خلال التأثير الكبير الذي أحدثته في القيم والسلوك ونمط العيش.
لقد رسمت هذه الوسائل وساهمت مع وسائل أخرى في تشكيل نمط خاص من أنماط الحياة انطلاقا من نوع اللباس وتسريحات الشعر وسبل التعاطي مع الأشياء والأشخاص، إلى تشكيل وتأسيس قيم جديدة وأخلاق جديدة غريبة كل الغرابة عما يريده الآباء لأبنائهم، وعن مواصفات الجيل الذي له هوية دينية ووطنية وشخصية تجعله يوطن نفسه ولا يتمادى مع أي تيار كان.
إن من حيرتنا نحن الآباء أننا نعلم جيدا أننا نحن من يقتني هذه الأسلحة الفتاكة لأبنائنا، ونحن في قرارات أنفسنا نعلم أنه شر، ولكن نداري الحال بقولنا أنه شر لابد منه، ولأن تيار المجتمع أقوى منا، ونخشى أن نسبح ضد التيار فينكسر أبناؤنا، ونشعر بالعجز التام عن أن نتحكم فيها ونجعلهم يستفيدون من خيرها وينعمون بفضائلها، وكل ما أصبحنا نخشاه، دون أن نعلن ذلك، هو أن يأتي وقت نجد أنفسنا لا نملك القدرة على توجيه أبنائنا لكونهم سيكونون قد تحولوا إلى روبويات تتحكم فيهم آلات من خلال التطبيع مع نمط جديد من التواصل هو التواصل الآلي وبالتالي سيكونون دائما خاضعين لتوجيهات الشركات العالمية التي يتواصلون بلغتها أكثر مما يتواصلون بلغتنا.
3 Comments
نعم قد ندمر أبنائنا بأيدنا وربما بأيدينا وأيدي الناس أصحاب الاختراعات والاكتشافات و البرامج التي لم تنتهي وكل يوم شئ جديد ، أو » سم » جديد ، خاصة بعد تعميم خدمة الوفي المجاني في الطرقات ، المقاهي ، الحدائق وحتى الحافلات . اذا لم تكن هناك رقابة لكل خطوة يخطوها الابناء خاصة اذا وضعنا تحت تصرفهم الألآت المذكورة في هذا المقال . سأشير الى الوجه الثاني للتدمير والذي يعفل عنه الكثير من الناس الاو هو وضعية الأطفال بعد الطلاق وتحديد يوم واحد للزيارة أليس هذا تدمير للحنان الذي يمنح له ومنذ نعومة أظافره ؟ . ماذا عن الأطفال المحرومين من حق الزيارة ؟ . أليس هذا تدمير للعلاقة الأسرية و الحنان بينهم وبين الآباء والأمهات على حد السواء ؟ . اذا منعنا أطفال الطلاق من الاتصال بالأب أو الأم ، ألا يعتبر هذا تعد عن حقه في الحنان وسبب في تدميره ؟ . هل يمكن ان ينمو الطفل بنصف العاطفة ؟ . كيف سيكون مستقبله العاطفي اتجاه المجتمع ؟ . تدمير ما بعده تدمير .
كل موضوع يتعلق بالأطفال لا يتطرق الى الأطفال في وضعية الطلاق اعتبره شخصيا موضوعا ناقصا و غير مكتمل الأفكار و لا يستوفي للشروط . لذا وجب دائما الانتباه الى هذه الشريحة المحرومة والتي يمكن ان تدمر وتتلاشى اذا لم نعطيها العناية الازمة . شكرا والسلام عليكم .
– عكاشة أبو حفصة .
نعدك الأخ عكاشة بإثارة هذا الموضوع إن شاء الله حتى تكتمل حلقة المدمرات التي تعمل على تدمير مستقبل البلاد والأمة أي الأبناء، وحتى نهيب بجميع المتدخين أو الذين لهم سهم في هذه الإشكالات المجتمعية العويصة.
تحياتي.
كل الشكر لكم استاذي . نعم الاطفال هم الضحية و المستهدفون من هذا التدمير في عالم اصبح قرية صغيرة ومفتوحة على كل الاحتمالات . ندرك جيدا ان الاطفال يولدون على الفطرة وليس لهم اي سبب في اخيار الاب او الام . لدى اذا تم اي تدمير فالاباء هم المسؤولون بالدرجة الاولى ثم المجتمع والمحيط بالتدرج … اذا وضعنا كل هذه الاجهزة المتاحة في ايدي الاطفال دون مراقبة ماذا سنجني من ذلك ، فمن يزرع الشوك ماذا سيجني غير الزقوم . اشكركم مرة اخرى والى مقال اخر بحول الله والسلام عليكم ورحمة الله .
– عكاشة أبو حفصة .