الفلسطينيون بين إباحة الاستيطان ومنع الأذان !
تعبيرا عن حقده الدفين للعرب والمسلمين، وإمعانا منه في كراهيته العمياء، يأبى الاحتلال الصهيوني الغاصب إلا أن يتمادى في غيه وغطرسته، إذ لم يترك وسيلة إبادة أو إهانة، دون اختبارها واستخدامها في حق الشعب الفلسطيني الأعزل، من تهجير وتقتيل الصغار والكبار واستباحة النساء وبقر بطون الحوامل إلى هدم البيوت فوق الرؤوس…
فهو لا يتوقف عن ممارساته الإرهابية والاستفزازية، ويحاول على الدوام إركاع الفلسطينيين والدفع بهم إلى القبول بشروطه المهينة، وقد ازدادت عربدته في ظل انشغالات السلطة الفلسطينية بانقساماتها والتطاحن العربي الداخلي، لاسيما بعد فوز الملياردير الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث بدا اليمين الإسرائيلي أكثر ارتياحا، وظهرت الحركة الصهيونية مسعورة بمواصلة بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين، معتبرة وصول ترامب للبيت الأبيض، بمثابة ضوء أخضر يخول لها صلاحية تدمير فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة. والأخطر من ذلك كله، إقرار الائتلاف الحكومي الإسرائيلي في 13 نونبر 2016 بتأييد السفاح نتنياهو، مشروع قانون يهدف إلى إخراس صوت المآذن في المساجد.
ويتضح جليا من خلال المشروع التوسعي الاستعماري إلى أي حد صار العدو الصهيوني غير مكترث بأي حل سلمي وتفاوضي، وبات همه الوحيد منحصرا في القضاء الممنهج على احتمالات التوصل إلى حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية. فجميع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، تتبنى نفس سياسة الترهيب والتهجير والتمييز العنصري. ويحبذ القادة الإسرائيليون إقامة المستوطنات في الأماكن الاستراتيجية، بجوار المدن العتيقة خاصة، مدعين أن لهم حقا تاريخيا فيه، وللحيلولة دون التواصل بين الفلسطينيين داخل الضفة الغربية ومع الدول المحيطة، فضلا عن رغبة الهيمنة على الموارد الطبيعية. وهذا ما يجعلهم حريصين على مصادرة الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات، لخلق كيان ديمغرافي يؤثر على الوجود الفلسطيني تدريجيا. وكان من بين طروحات الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز، الإبقاء على نسبة من المستوطنين الإسرائيليين بين الفلسطينيين، حتى إذا ما قامت الدولة الفلسطينية، استمروا في العيش داخلها كما هو شأن العرب الفلسطينيين بدولة إسرائيل. وهو ما يؤكد على نيتهم في عدم تفكيك أي مستوطنة يهودية، مهما كان الحل أو الترتيب السياسي في المستقبل، باعتبار سلب الأراضي والاستيطان يشكلان جوهر الفلسفة الصهيونية، مما أثر على الوضع الاجتماعي القائم، وأدى إلى الاحتكاك بين المستوطنين العنصريين والسكان العرب الأصليين، وتنامي مشاعر البغض والتطرف لدى الطرفين…
وبالعودة إلى مشروع القانون الإسرائيلي الجائر، نجده ينص على حظر الأذان في المساجد بالأماكن المختلطة بين المسلمين واليهود والمسيحيين في القدس والمناطق المحتلة، عبر تشغيل مكبرات الصوت، بحجة إزعاج المواطنين الإسرائيليين والإيذاء البيئي والمس بمستوى نمط العيش، وزاد بالقول أن هناك مئات الآلاف من اليهود القاطنين قرب التجمعات السكنية العربية، يعانون يوميا من « الضجيج » الشديد، الناجم عن تكرار الأذان عدة مرات وخلال الصباح الباكر… إنه العذر الأقبح من الزلة ! فأيهما أعظم خطرا وأكثر تلويثا للبيئة: الأذان أم دوي الانفجارات، الذي تحدثه طائرات ودبابات وصواريخ العدو الصهيوني، وما تخلفه من آثار الدمار؟ ثم ألا يعلم الصهاينة أنه بموجب القوانين الدولية، لا يسمح للمحتل بإجراء أي تغيير على الأرض التي يحتلها، وأن قراراته باطلة ولا يعتد بها؟
ويرى الخبراء والمراقبون الدوليون أن هذا المشروع الأهوج، يندرج ضمن مخطط صهيوني جهنمي محبوك، يسعى إلى فرض واقع جديد من أجل تهويد القدس وكل فلسطين، ويعتبر من بين أخطر قرارات الكيان الصهيوني، الذي استغل الصمت العربي والدولي، وعدم تحرك السلطة الفلسطينية التي لم تصدر أي بيان استنكاري، ردا على هذه الهجمة الشرسة وانتهاك حرمة المسجد الأقصى…
بيد أن أشاوس فلسطين الذين عودونا على المقاومة الخلق والإبداع وصناعة الانتفاضات المباركة، لم يتأخروا في الرد، فهبوا إلى رفع الأذان من فوق سطوح بيوتهم، وخرجت التظاهرات الشعبية صاخبة وغاضبة، تندد بالمشروع التعسفي، رافضة بشدة تمريره. وكما عبر النائب العربي « أحمد الطيبي » عن احتجاجه برفع الأذان من على منصة « الكنيست » الإسرائيلي، قامت كنائس المسيحيين الفلسطينيين في خطوة تضامنية رفيعة بالشجب نفسه من على قبابها، جاعلة صوت المؤذنين يمتزج بقرع الأجراس، ليصبح الأذان سلاحا « فتاكا » يقض مضاجع الصهاينة.
وبما أن إسرائيل أرادت إشعال حرب دينية، من خلال المس بشعائر المسلمين والمسيحيين، فلم تمض إلا أيام قليلة حتى اندلعت النيران بشكل حقيقي، التهمت على مدار خمسة أيام مساحات شاسعة، استدعت السيطرة عليها تدخل أكثر من عشرين دولة، وخلفت خسائر فادحة… ترى أهو غضب من الله؟ فما نعلمه أنه غالبا ما تأتي مثل هذه الحرائق المباغتة، في إطار الكوارث الطبيعية التي تقع في مختلف بقاع العالم. ورغم أن ألسنتها النارية امتدت إلى عمق بعض القرى الفلسطينية، فإن إسرائيل أصرت كعادتها على إلصاق التهمة بالفلسطينيين، الذين يعيشون في أفظع جحيم منذ أزيد من ستين سنة، ألا وهو الاحتلال ونيران مدافعها وقنابلها وصواريخها…
إن فلسطين الجريحة مازالت تئن تحت وطأة القهر والغدر، وتعاني من أبشع السياسات الصهيونية، عبر انتزاع الأراضي وهدم البيوت والتوسع الاستيطاني، وتدعو كل أبنائها إلى رص الصف وتوحيد الكلمة، من أجل الاستقلال والحرية والعيش الكريم، وأن يسارع كل أحرار العالم إلى نصرتها في الدفاع عن قضيتها العادلة. فهل من آذان صاغية؟
Aucun commentaire