حكايا استاد متقاعد ـ الحلقة 4 ـ : ألولد الظاهرة
عندما غادرت المرحلة الابتدائية،حططت الرحال بمدينة،،جرادة،،لمتابعة الدراسة بقسم الملاحظة انئذ.
مرت بضعة أيام فساقت الأقدار تلميذا سوسيا ليتعرف علي.
أيقنت منذ البداية أن هذا المخلوق لا بد أن يكون خيط ما يربط بيننا،فلم يكذبني حدسي أنا القادم من محيط يستطيع أهله تأويل أصوات وحركات الحيوان،فما بالك بالانسان!
ألسنا من يبادر الى تقديم العلف للدواب عندما تبالغ في ،،الضرط،،لأن ذلك مؤشر جوع قاس؟
لقد كان الحياء الشديد هو القاسم المشترك بيني وبين الفتى السوسي الشيء الذي يعني أننا مهيآن لقمع كل الرغبات التي تتنافى مع هذه الخصلة!
كان صديقي يخضع لنظام صارم حدده والده،ذلك أنه ما أن يغادر جدران الفصل ويتناول الطعام،حتى يباشر العمل في دكان ابيه الذي يستغل الفرصة في انجاز أعمال أخرى.
طلب مني أن أزوره بانتظام عندما يكون في الدكان ففعلت.
كان أبوه قد وضع رهن اشارته جهاز راديو كبير أ رسى موجته على اذاعة،،لندن،التي أكتشفها لأول مرة!
لقد أيقنت من خلال حديث الأب وابنه أن الرجل ما سمح بتواجدي مع ابنه الا بعد أن تأكد من صفاء سريرتي والا ما استحق أن يكون سوسيا!
حثني الأب على العمل سويا مع فلدة كبده،ثم مالبث أن تعرف على أخي محمود رحمه الله فتوطدت العلاقة أكثر.
أعترف بأنني سأظل مدينا لهذا الصديق بما جنيته من فوائد ونحن نتتبع برامج اذاعة لندن التي ظلت مرجعا خصبا للباحثين عن المعرفة: لقد كان برنامج،،قول على قول ،،للمرحوم حسن الكرمي واحدا من مصادرنا الأدبية،ناهيك عن التقاط الأخبار التي انفرد بها هذا الصرح الاعلامي.
ولتكتمل لدينا رغبة المعرفة،فقد كان صديقي يتوصل بمجلة،،هنا لندن،،التي كنا نلتهمها التهاما!
شاءت الظروف أن ندرس ثلاث سنوات بنفس الفصل في الاعدادي،وظل منافسا رئيسيا لي في التحصيل!
لقد كان هذا الولد يتمتع بذاكرة لا مثيل لها،حيث ما أن نغادر قاعة الفصل حتى تكون كل الدروس قد سجلت في ذهنه!
كانت مادته المفضلة هي الجغرافيا والتاريخ اللتين يحرج فيهما المدرس،وكانت معلوماته دقيقة.
فضلا عن ذلك،لم يكن يجد أي صعوبة في استيعاب باقي المواد.
انتقلنا معا لمتابعة الدراسة بثانوية عبد المومن،وهناك سيكشف صديقي عن مزيد من المقدرات:غضب أستاذ مادة الأدب يوما لشغبنا وهو يشرح قصيدة شعرية،فقرر أن يختبرنا فيها فورا،بحيث كان علينا أن نكتبها كاملة!
كثر الاحتجاج واللغط،أما صاحبي فقد أومأ لي أن أسترق النظر الى ورقته،فقد كانت القصيدة قد رسخت بذهنه ففعلت!
لكن ما حدث عندما كنا بقسم البكالوريا،هو الأهم.طلب منا أستاذ الرياضيات حل معادلة صعبة،ولم أعر الأمر اهتماما لأني كنت أمقت هذه المادة،ولم يستطع أحد من الزملاء الوصول الى الحل.
فقد زميلي هدوءه طول النهار،وتناول وجبته دون رغبة تذكر،فعلمت أن أمرا ما يشغل باله.
في منتصف الليل أيقظني من النوم ولعابه يتطاير: لقد وجدت الحل!
في الصباح الباكر،أخرج ورقة وراح يدون مراحل فك اللغز!
افترقنا بعد الحصول على البكالوريا.
تابع دراسته بكلية الحقوق بالدار البيضاء،وظللنا على اتصال الى أن علمت أنه يشغل منصبا بسفارة المغرب بسوريا.
كان الأخ محمد الوالي يسر لي من حين لاخر بأن هذا الفتى سيكون له شأن،ولا بد أن نراه يوما ما الى جانب رجالات الدولة!
أما الأخ ج قاسم،فقد عرف بدوره هذا الرجل في المجال الدبلوماسي.
تحية صادقة لأخينا محمد أخرفي.
Aucun commentaire