إذا اختلطت دموع في جفون تبين من بكى ممن تباكى
إذا اختلطت دموع في جفون تبين من بكى ممن تباكى
محمد شركي
الدمع الذي يسكب عند ما تصيب المصائب نوعان : دمع صادق لمن يبكي، ودمع كذب لمن يتباكى . ولما كان التباكي كذب ، وحبل الكذب قصير كما يقال ، فإن المتباكي سرعان ما يسقط قناعه ، وينكشف خداعه، وتفتضح انتهازيته .
إن دهس أو ابتلاع شاحنة الزبالة الحوات البائس بالحسيمة تغمده الله عز وجل بواسع رحمته ، وجميل عفوه حدث مروع يثير الشفقة والغضب لأن دماء المغاربة متكافئة ، وإذا أهدر دم الواحد منهم كان ذلك هدرا لدمائهم جميعا . وإذا مست كرامة أحدهم كان ذلك مساسا بكرامة الشعب برمته . ولا يوجد مغربي مهما كان موقعه الاجتماعي في هذا الوطن لم يتأثر بهذه الفاجعة، ولا يمكن لأحد أن يزايد في ذلك على الآخر إلا أنه مع شديد الأسف وقعت المزايدة بأشكال متعددة حيث ركب البعض فاجعة الحوات الهالك لخوض شوط من أشواط المباراة الانتخابية المنهية بعد انتهاء وقتها القانوني ، ولا زال هذا البعض لم يستسغ ما تمخض عن هذه العملية الانتخابية بعد السابع من أكتوبر .
ولو أن هذه الفاجعة وقعت قبل انطلاق العملية الانتخابية لاتخذ منها البعض موضوع حملة انتخابية لكسب الأصوات . ولا زالت هزة العملية الانتخابية لها ارتدادات كارتدادات الزلزال بالنسبة للذين حملت لهم هذه العملية مفاجأة لم تكن في التقدير والحسبان . ولقد كشف التعريض برئيس حكومة تصريف الأعمال في مظاهرات التنديد بمقتل الحوات عن المتاجرة بموته سياسيا حيث حمّل السيد بنكيران دمه ، وهو الذي كان يحمّل دائما مسؤولية كل ما يقع في البلاد من طرف خصومه السياسيين الذين يتعمدون تأليب الرأي العام عليه . وبالرغم من كل أشكال التأليب عليه ، فقد حظي الرجل وحزبه بثقة المواطنين ، وهذا يعني أن الشعب المغربي المتميز بحسه الذكي تنبه ل تهافت التأليب ، ولم يبال به ، وتصرف بما يمليه الواجب الوطني وما تمليه المصلحة العامة للوطن، وهو ما جعل بعض من خسروا رهان الانتخابات يشككون في وعيه لأن رياح الانتخابات هبت بما لا تشتهيه سفنهم. ولئن كان بنكيران قد أمر مناضلي حزبه بألا يخرجوا للتظاهر احتجاجا على فاجعة الحوات، فلأنه كان على علم بمحاولة ركوب تلك الفاجعة لقضاء بعضهم مآربه السياسية . ولا يمكن بحال من الأحوال تحميل رئيس الحكومة المشغول بترتيب حكومة جديدة إلى جانب تدبير حكومة تصريف الأعمال مسؤولية مقتل الحوات ، ولا يوجد قانون يجرمه في هذه الحال . ورئيس الحكومة هو الجهة التي لها صلاحية فتح تحقيق في ملابسات الموضوع ، وتحديد المسؤوليات بطرق قانونية في دولة ترفع شعار الحق والقانون . فإذا ما ثبت أن الضحية هلك بسبب قانون وضعته الحكومة ، و صوت عليه البرلمان ، فالمسؤولية ستقع على المشرع الذي شرع هذا القانون ، وليس على الذي نزله أونفذه .
أما إذا كان الأمر يتعلق بحادثة ، فالبلد تحدث فيه يوميا حوادث يذهب ضحيتها ضحايا كثيرون لا يمكن أن يحمّل رئيس الحكومة دماءهم جميعا. ومهما يكن من أمر، فإن القانون سيأخذ مجراه في القضية ، وستبث العدالة في النازلة . وإذا جاز اعتبار الخروج للتظاهر بسبب الصدمة النفسية التي أصابت الشارع المغربي على إثر الفاجعة المؤلمة سلوكا عفويا مبررا ، فإن التخطيط له عن سبق إصرار لا يمكن إلا الشك في نوايا من كان وراءه ودبره . ولقد بلغ الأمر بالبعض حد الحلم « ببعززة » فاجعة حوات الحسيمة ـ نسبة إلى بوعزيزي تونس إن صح التعبير ـ من أجل خلق أجواء الفتنة المفضية إلى زعزعة استقرار الوطن ، وهو استقرار يحسد عليه الشعب المغربي في زمن افتقدته العديد من الشعوب العربية التي تعاني ويلات الحروب الأهلية الطاحنة التي أتت على الأخضر واليابس ، ودمرت الإنسان والعمران . ومن عقوق الوطن استغلال موت مواطن مسكين لرفع شعارات انفصالية ، ورفع خرق من القماش لا يمكن أن تسوى بعلم الوطن الغالي عند من لهم غيرة عليه . ولا يمكن أن يرفرف فوق كل شبر من هذا الوطن إلا العلم الأحمر الذي يرمز لونه لدماء الشهداء ، وتتوسطه النجمة الخماسية الخضراء التي ترمز إلى أركان الإسلام الذي هو هوية الوطن رغم أنوف البعض . وإن رفع غيره من أنواع القماش يعتبر تهديدا مباشرا لوحدته واستقراره ، ونفخا في نار الطائفية المقيتة ، واستهدافا للحمة شعبه الذي يلتف حول قائد واحد، وتحت علم واحد . ولا يمكن لشعار » طاحت الصومعة علقوا الحجام » أن تكون بديلا عن شعار دولة الحق والقانون ، ودولة المؤسسات . ولن تخفى أبدا على الشعب المغربي الذي أتاه الله عز وجل الذكاء والفطنة دموع المتباكين والمتاجرين بمصائب المصابين . ولا يمكن أن تكون مصائب هؤلاء المصابين فوائد الانتهازيين .
1 Comment
إنـــــهـــا الـــحــــقـــيــقــة التي لا لُبس فيها … شـــكــرا لـــك يــا أســـتاذي الــفاضل عــلى تحليلك المنطقي للأحداث