Home»International»إنعاش الإصلاح التربوي من الفيروسات

إنعاش الإصلاح التربوي من الفيروسات

0
Shares
PinterestGoogle+

إنعاش الإصلاح التربوي من الفيروسات[1]
إعداد
عبد العزيز قريش
هذا العرض

عرضي هذا لا يغرق في النظري ولا ينظّر للتعليم وإنما هدفه بيان بعض الفيروسات الواقعة في جسم التعليم المغربي، لعل وزارتنا المبجلة تعي مداخل الهدم في بنية التعليم. وإن هي سعت إلى إصلاح إصلاح التعليم؛ فلن تنجح مرة أخرى في إصلاح الإصلاح ما لم تصلح ما ظهر من سلبيات في عشرية الإصلاح!

ما أجمل الإنشاء التربوي في ظل العشرية الذي أعرب عن نجاح الإصلاح بمسوغ سياسي لا تقني تخصصي! لكن ما أجمل الحقيقة مهما كانت قاسية عندما تكون مفتاح التصحيح! وما أعظم التصحيح حين يبنى على حقائق ميدانية وواقعية!

في ظل الحقيقة القاسية للتاريخ، نسوق بعضا من الفيروسات التي تسربت إلى جسم التعليم.

إنعاش التعليم

رب سائل يسأل: لماذا القول بإنعاش التعليم؟

ألم يقر المغرب مؤسسة رسمية ومجتمعا مدنيا وخبراء أن التعليم في غرفة الإنعاش؟ فإن كان غير ذلك! فلماذا كانت لجنة الإصلاح الأخيرة التي انبثق عنها الميثاق الوطني للتربية والتكوين؟

وبما أن التعليم المغربي كان مريضا ومازال كذلك؛ فهو في إنعاش ينتظر صلاة الجنازة بعد خروج الروح إن لم نعالجه من جديد من فيروساته.

وبما أنه يحتضر بعدما أكد ذلك البنك الدولي والمجلس الأعلى للتعليم، فإن الوزارة الآن تحاول إنعاشه ثانية من خلال المستعجلات المستعجلة في إصلاح إصلاح التعليم، الذي أجده من منطلق الخبرة ترميما وترقيعا لجسم هجمت عليه كل الأوبة، فخارت قواه! والذي يتطلب مشرطا لاستئصال أورامه لا تسكينها بالمسكنات. وهذا أمر متفق عليه بين الأطباء عندما يستعصي العلاج.

الفيروسات؟

يعتبر الفعل التعليمي أكبر فعل معقلن ومخطط وممنهج، لا يستسيغ الارتجال والتخبط والانفعال، ومن هذا المنطلق، كل فعل تعليمي لا يقوم على العقل والتخطيط والمنهجة مآله الفشل.

والتعليم المغربي لا يشذ عن هذه القاعدة، وبالتالي؛ الواجب في حقه العقلنة والتخطيط والضبط. فترى إلى أي حد ينضبط التعليم المغربي إلى هذا المنطلق؟

إذا حاد التعليم عن هذا المبدإ أو المنطلق، تأتيه الفيروسات جيشا جرارا لتفتك بجسمه، فتستوطنه وتنهكه. مما يتطلب مشرط الطبيب المختص لاستئصال مستوطنات الفيروسات، التي لا تنفع معها المضادات الحيوية كما قلنا سابقا.

بعض الفيروسات

في مستوى أجرأة الميثاق الوطني للتربية والتكوين

أخطر هدم تعرض له الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي نقر بأنه ـ مهما تحفظنا عليه ـ الحد الأدنى من توافق المغاربة على سحنة التعليم المغربي، بدءا من المدخلات ومرورا بالسيرورة وانتهاء بالمخرجات. قلت أخطر هدم هو الأجرأة التي مارستها السلطة التنفيذية في التعليم على الميثاق. فهي لم تترجم بنوده بأحدث ما توصلت إليه العلوم المتنوعة، بل اعتمدت الأجرأة على السائد في الحقل التعليمي المغربي من نظريات، بما فيها المتجاوزة منذ عقود! وفي أحسن الأحوال محت تجاعيدها بمساحيق من نظريات القرن الماضي كالمقاربة بالكفايات. ولنا بعض الأمثلة على قصور الأجرأة على ترجمة منطوق أو روح الميثاق إلى قوانين وتشريعات وتوجيهات، ومنها:

1 ـ جاء في المادة 149 من الميثاق القول ب: (ترصد لكل مؤسسة ميزانية للتسيير العادي والصيانة؛ ويقوم المدير بصرفها تحت مراقبة مجلس التدبير ) فأين أجرأة هذه المادة في المرسوم رقم 2.02.376 بتاريخ 17 يوليو 2002 بمثابة النظام الأساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي؟ فهي غائبة في منطوق هذا المرسوم. وقد يدفع دافع بالمادة التاسعة منه،التي تنص على (ويمكن للمؤسسات المذكورة أن تتلقى دعما تقنيا أو ماديا أو ثقافيا من لدن هيئات عامة أو خاصة في إطار اتفاقيات للشراكة ، وذلك في نطاق المهام الموكولة لها وتحت مسؤوليتها) وهو دعم في إطار شراكة! وليس ميزانية للتسيير العادي والصيانة.

2

ـ تفيد الفقرة ” ب ” من المادة 137 من الميثاق ( إقرار نظام حقيقي للحفز والترقية، يعتمد معايير دقيقة وشفافة وذات مصداقية، يتم ضبطها مع الفرقاء الاجتماعيين المعنيين بذلك، على أساس اعتماد التقويم التربوي من لدن المشرفين التربويين واستشارة مجلس تدبير المؤسسة )؛ فأين استشارة مجلس تدبير المؤسسة في هذه المسألة في المادة 18 من المرسوم السابق رقم 2.02.376 بتاريخ 17 يوليو 2002؟ التي تفيد ( يتولى مجلس التدبير المهام التالية :

ـ اقتراح النظام الداخلي للمؤسسة في إطار احترام النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل ، وعرضه على مصادقة مجلس الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين المعنية ؛

ـ دراسة برامج عمل المجلس التربوي والمجالس التعليمية والمصادقة عليها وإدراجها ضمن برنامج عمل المؤسسة المقترح من قبله ؛

ـ دراسة برنامج العمل السنوي الخاص بأنشطة المؤسسة وتتبع مراحل إنجازه ؛

ـ الاطلاع على القرارات الصادرة عن المجالس الأخرى ونتائج أعمالها واستغلال معطياتها للرفع من مستوى التدبير التربوي والإداري والمالي للمؤسسة ؛

ـ دراسة التدابير الملائمة لضمان صيانة المؤسسة والمحافظة على ممتلكاتها ؛

ـ إبداء الرأي بشأن مشاريع اتفاقيات الشراكة التي تعتزم المؤسسة إبرامها ؛
ـ دراسة حاجيات المؤسسة للسنة الدراسية الموالية ؛

ـ المصادقة على التقرير السنوي العام المتعلق بنشاط وسير المؤسسة ، والذي يتعين أن يتضمن لزوما المعطيات المتعلقة بالتدبير الإداري والمالي والمحاسبي للمؤسسة ). فهنا نلمس بجلاء المفارقة بين تنظير الميثاق وأجرأته، بعيدا عن الحديث عن المعايير الدقيقة والشفافة وذات المصداقية … !

3

ـ تقول المادة 135 من الميثاق: ( تقوم السلطة الوطنية المشرفة على قطاع التربية والتكوين, تطبيقا لمقتضيات هذا الميثاق, بإعادة هيكلة هيئة المشرفين التربويين وتنظيمها وذلك :

· بتدقيق معايير الالتحاق بمراكز التكوين ومعايير التخرج منها ؛

· بتعزيز التكوين الأساسي وتنظيم دورات التكوين المستمر لجعلهم أقدر على المستلزمات المعرفية والكفايات البيداغوجية والتواصلية التي تتطلبها مهامهم ؛

· بتنظيم عملهم بشكل مرن, يضمن الاستقلالية الضرورية لممارسة التقويم الفعال والسريع, وإقرار أسلوب توزيع الأعمال والاختصاصات على أسس شفافة ومعايير واضحة ومعلنة ؛

بتجديد العلاقة مع المدرسين لجعلها أقرب إلى الإشراف والتأطير التعاوني والتواصلي). فأين مركز تكوين المفتشين، والتكوين الأساس والمستمر، وأين الاستقلالية، وأين المستلزمات الأخرى من الوثيقة الإطار الخاصة بتنظيم التفتيش ومن المذكرات المفعلة لها ( من المذكرة 113 إلى المذكرة 118 )؟.بل نجد تقليعة جديدة مع المخطط الاستعجالي لإصلاح إصلاح التعليم كما سمعنا، تسمى: ” الإرشاد التربوي ”! ربما يقبر المركز نهائيا، ويضعف جهاز التفتيش إن سلك التكليف بالتفتيش.

في مستوى المدخل الديداكتيكي

اعتمد المبرمج التربوي المغربي لمقاربة المتن التعليمي مدخل الكفايات، وهو مدخل يشوبه عدة اختلالات، التي تحول دون توظيفه على الوجه الأكمل إن لم نقل الأصوب. والتي يمكن الإشارة إلى بعضها في:

الانتقال المفاجئ من مدخل إلى مدخل، غير قائم على دراسات علمية ميدانية ينعكس على الميدان، بمعنى ما المدخل الديداكتيكي المناسب لتدرس المتعلم المغربي؟

الانتقال تم في الإطار الأدبي التربوي الذي وجه سهامه إلى بيداغوجيا الأهداف نظريا دون أن يستنفذها عمليا، حيث نقر هنا بأن الكتاب الوحيد لم ينضبط إليها، وبالتالي فإن تلك البيداغوجيا لم تقم في التدريس على الوجه الأصوب حتى يمكن الحكم عليها بالفشل.

تم إقرار مدخل الكفايات دون إجراء نقاش مستفيض حولها بين جميع المتدخلين في الفعل التعليمي خاصة أهل الممارسة الصفية؛ وبالتالي تبقى هذه المقاربة موضع استفهام، وتبقى في حالة غموض دون نقاش حولها ودون تكوين مستمر فيها، والذي جاء متأخرا عن الممارسة بها ومن خلالها. وهذا يعني تأخر العقلية المتحكمة في ميدان التربية والتكوين!

المفهوم الإجرائي للكفايات غير محدد رسميا؟! مما ينعكس على الأداء الصفي سلبا في الميدان، وهذا غير مقبول علميا ومنهجيا.

ما يوجد في الكتب المدرسية لا ينطبق عليه مفهوم الكفاية اصطلاحا. فهي مازالت قابعة في الأهداف الإجرائية! فمثلا نقرأ الكفاية التالية ( كفاية نوعية كما جاء في أحد الكتب ) وهي للقياس فقط: أن يكون المتعلم قادرا على الرسم الإملائي للهمزة المتوسطة على الألف. إنه هدف إجرائي متعلق بالحس الحركي. وليس كفاية بكل المقاييس.

في مستوى البرمجة

طرأ تغيير طفيف على البرامج في مستوى المواد ودروسها ووحداتها ـ ونتحدث هنا عن المدرسة الابتدائية التي أطلع عليها ـ وبذلك مازلنا داخل نفس البرامج المقررة في الغالب الأعم. ولم تتجاوز البرمجة هفوات البرمجة السابقة؛ فمثلا: نجد غياب تام لدرس مستقل خاص بالميزان الصرفي، وهو المدخل الرئيس لكل الصيغ الصرفية بما يعني أن المتعلم يكتسبها على القياس أو السليقة اللغوية. أما معرفة مصدرها وكيفية صياغتها فإنه لا يدري منها شيئا. وهنا التجربة أقوى دليل على ذلك. فليسأل أحدنا ابنه أن يزن كلمة غير معتادة لديه، ولينظر كيف سيتصرف ابنه؟ وليسأله في حالة نجاحه كيف وصل إلى ذلك الوزن؟ وما هي الحروف الأصلية من الزائدة؟ وكيف تتجلى كل واحدة منها في الميزان الصرفي؟ … ومن بين الأمثلة الأخرى؛ مازالت بعض الدروس في مستوى التراكيب تقدم زمنيا عن دروس في الصرف كما كانت في البرنامج السابق،مثل: درس نائب الفاعل والفعل المبني للمجهول، حيث الأول يسبق الثاني؛ بينما العكس هو الصحيح، لأن المتعلم يجب أن يعرف بناء الفعل للمجهول حتى يقف على مجمل التغيرات اللغوية والدلالية التي تقع في الجملة الأصلية، ومن ثمة يعرف مفهوم ووظيفة نائب الفاعل.

في مستوى المنهجية

لم تتغير المقاربات المنهجية للمتن التعليمي جذريا عما كانت عليه في الكتاب السابق. فمازلنا نشتغل بنفس المنهجية والمنطق الإجرائي. ذلك أننا مازلنا ننطلق في تعليم الأصوات اللغوية العربية من الكل إلى الجزء؟ وفي ارتجالية كبيرة من ناحية ترتيبها عبر معايير معنية أو من ناحية تقديم أكثر من متغير صوتي واحد في اللحظة نفسها، ومازلنا نعمل بالاستقراء دون الاستنباط في تقديم القواعد التركيبية والصرفية والإملائية ….

مازالت دروس المادة ذاتها تتخذ نفس الإجراء المنهجي في كل مواضيعها المختلف، ونحن نعلم علميا أن كل موضوع له خصوصياته المنهجية، ولكن لكل مادة على حدة لها منطقها المنهجي الكلي المختلف عن المواد الأخرى؛ فمثلا: نجد المسلك المنهجي في أحد الكتب وهو للقياس فقط يقوم على الخطوات المنهجية التالية في مختلف الدروس، في مادة التراكيب على سبيل المثال دون استحضار الاعتبارات التفصيلية والبنيوية لمتنها التعليمي: أبني المفهوم ـ أبني المعنى ـ أحلل وأكتشف ـ أرسخ وأعمق. وهنا نلاحظ أن بناء المفهوم يتضمن بناء المعنى والتحليل والاكتشاف، وعليه لا يمكن جعل بناء المفهوم خطوة منهجية مستقلة عن بناء المعنى والتحليل والاكتشاف.

هذه النمطية المنهجية تحنط تفكير المتعلم نحو النمذجة والتقولب في نموذج واحد دون اطلاعه على نماذج التفكير الأخرى.

يستدعي المستوى المنهجي التأطير النظري للمنهج وفق نظريته النابع منها، وهو الأمر الذي يتجلى في مقدمات الكتب المدرسية خاصة كتاب الأستاذ أو ما يطلق عليه في التعليم الابتدائي دليل الأستاذ. مع العلم أن التعليم الإعدادي والثانوي على حد علمي، ليس فيه دليل للأستاذ؛ وهنا حرية التحرك للأستاذ. هذا التأطير النظري تعتريه سلبيات علمية فادحة، لا يمكن قبولها في إطار عقلنة الفعل التعليمي والخبرة التربوية والتجربة الميدانية. فمثلا: في أحد الكتب المقررة في اللغة العربية للمستوى الأول ابتدائي؛ مقدمته تفيد: ( شخصية الطفل وإمكانياته، باعتباره مركز العملية التعليمية ـ التعلمية. وأن وجوده كفيل وحده بتبرير الفعل التربوي. الذي أبدعته المؤسسة التعليمية لفائدته: فأخذنا على عاتقنا صياغة وضعيات ـ مرتكزات حاملة للمفاهيم المقررة ـ متوفرة على عناصر التشويق والتحفيز، ومنفتحة على اتخاذ المبادرة. لهذا تحاشينا قصدا، شكل الكلمات شكلا تاما، حتى يتأتى لنا احترام أصول القراءة، ” كعملية تهدف إلى بناء المعنى ”، وحتى نفسح المجال أمام التلميذ. ليبني معرفته بنفسه: ونترك له فرصة مساءلة النصوص وسياقها. قصد بناء مدلول الكلمات. وقراءتها باعتماد المعيار الصوتي والدلالي الذي توفر لديه في حصص التعبير. ” انظر الكفايات المستهدفة في حصة: أستمع وأعبر ”. عوض تقديم نصوص جاهزة على مستوى الشكل. تعفيه من بناء المعنى ).


فهذا الخطاب غير مقبول من جهتين هما:

1 ـ من ناحية الشكل: لا يمكن القبول بعنوان مفارق لمضمونه، حيث عنوان الفقرة عن شخصية الطفل وإمكانياته والمضمون لا يتحدث عن شخصية المتعلم، وإنما يتحدث عن مسألة منهجية.

2 ـ من ناحية المضمون: لا يمكن القبول بما ذهب إليه هذا الكتاب من قول ب ” لهذا تحاشينا قصدا، شكل الكلمات شكلا تاما، حتى يتأتى لنا احترام أصول القراءة، ” كعملية تهدف إلى بناء المعنى ”، وحتى نفسح المجال أمام التلميذ. ليبني معرفته بنفسه: ونترك له فرصة مساءلة النصوص وسياقها. قصد بناء مدلول الكلمات“ لأن متعلم المستوى الأول يوجد على افتراضين:

الافتراض الأول: وهو القول بما ذهب إليه الكتاب من ان المتعلم سيبني المعنى، بمعنى أنه يستطيع شكل الحروف والكلمات ليبني المعنى، وبناء المعنى مرحلة لغوية متقدمة تأتي في سياق وظيفي؛ حيث تفترض هذه القولة أن المتعلم متمكن من النظام اللغوي العربي الفصيح تركيبا وصرفا وإملاء ومعجما ودلالة …! وهنا ينبرى السؤال: إذا ما استطاع المتعلم أن يبني المعنى؟ فما حاجته إلى تعلم الحروف؟ أليس تعليمه الحروف ضربا من مضيعة للوقت؟ أليس الأجدر تعليمه شيئا آخر يجهله؟

الافتراض الثاني: وهو أن المتعلم لا يمكنه بناء المعنى، والمطلوب في هذه الحالة شكل الكلمات والنصوص. وهو أمر لم يأخذ به الكتاب.

ومنه؛ يظهر أن هذا الكتاب ينظر لغير محله، بل أجده يهلوس بدعوى التأليف المدرسي، والتأليف المدرسي منه براء، و“ يطلب السلة بلا عنب“ .

في مستوى الفضاء الدراسي

مدخل المقاربة بالكفايات يتطلب تنويع منهجية تدريس المواد واتخاذ تقنيات التنشيط المختلفة، الشيء الذي يتطلب تنويع تشكيل فضاء الحجرة الدراسية. وهو التنويع المفقود في المدرسة، فمثلا: مسرحة حصة دراسية يتطلب فضاء مسرحيا. وإجراء درس على شكل ندوة يستدعي تشكيل فضاء الندوة … وهذا ما لا يوفره فضاء الحجرة الذي مازال حبيس السبورة والطبشورة والإلقاء ومقاعد الحافلة والناقلة!

لا تتوفر الشروط التربوية والنفسية والاجتماعية في فضاء المؤسسة لتشكل عاملا مساعدا على التعلم، فالاكتظاظ والتشنج العلائقي والتفاوت الطبقي الاجتماعي والثقافي والاقتصادي … كلها لا تساعد على التعلم بل ترسخ التفاوت وتقويه في الوسط المدرسي.

بنية بعض المؤسسات تفتقد للمرافق الصحية والرياضية والقاعات المتخصصة والماء والكهرباء، لا تساعد على التعلم والارتياح بل تنفر وتقزز النفس منها.

اختلالات في المتن التعليمي

بيت القصيد هو المتن التعليمي لأنه المدخل لبناء الكفايات وليس الكفايات فقء وإنما هو تشكيل العقلية الإنسانية في بعدها العام، وتشكيل العقلية المغربية في بعدها الخاص. ومن هنا يحتل المتن التعليمي مركز الأداء الصفي، وهو متن يجب أن يكون من العلمية والدقة الموضوعية بمكان، خاصة إذا روج مفاهيم ونظريات وأنساقا فكرية وحقائق علمية ثابتة، وهي قاعدة مسلم بها لدى اختصاصيي المناهج. لكن لم تعمل بها الوزارة في مصادقتها على الكتب المدرسية، وقد نشرت لي عدة دراسات ومقالات في شأنه في الجرائد الوطنية والمجلات المختصة تبين الاختلالات العلمية الموجودة في هذه الكتب. ونضيف اليوم أمثلة أخرى من قبيل:

التعاطي الهزلي مع المتن التعليمي في الشكل والمضمون؛ حيث:

في الشكل، نلمس مفارقة الصورة للمتن، والصورة تعبير عن حقيقة المشهد الانتخابي الواقعي، حيث الجمهور عبارة عن أشباح والمرشحين هم كذلك أشباح، بما يعني أن الحملة الانتخابية هي الأخرى شبح. والصورة لن ترسخ لدى المتعلم أن العملية الانتخابية هي مدخل حقيقي لاختيار الأجدر والأنجع الذي سيصرف الشأن العام المحلي والوطني. وليست مسرحية هزلية.

في المضمون؛ النص يفيد أن الحملة التي حضرها المتعلم كأنها نزلت من القمر أو المريخ، لأنه عندما عدل عن طريقه المعتادة وجدها. دون أن نستحضر أن الحملة الانتخابية هي خبر وطني يعمم وينشر بواسطة الإعلام، فلا تغيب عن أحد ولا تفاجئه. كما أن النص يتحدث عن منصة في ساحة وليس قاعة مسرح أو سينما. كما أن النص فُتِح على توارد الأسئلة.[2]

أخطاء علمية فادحة لا يمكن قََبُولها من الوزارة من خلال لجن المصادقة، ذلك أننا نجد مثلا في التربية التشكيلية[3] نجد الاختلالات العلمية على سبيل المثال لا الحصر. ففي كتاب المنير في التربية التشكيلية على سبيل المثال لا الحصر الصفحة 80 في مرحلة ألاحظ وأحلل نجد لوحة الفنان موريتس كورنليس إيشر التي فيها الفراغ يشكل السمكة والطائر أو إن شئنا قلنا تحول السمكة إلى طائر أو الطائر إلى سمكة هي منظور واجهي لا يمكن الجمع فيه بين المستويين تحت وفوق، وهذا يعني أن ما نراه من السمكة هو نفسه في إطار اللوحة كلها، كما ما نراه في الطائر هو نفسه في نفس الإطار. ومن ثم لا تختفي من السمكة أو الطائر ما كان يظهر منهما في مستوى فوق عندما يصبحان في مستوى تحت، والعكس صحيح. ومنه فمدخل الدرس خاطئ. وبما أن السيد الأستاذ غير متخصص في التربية التشكيلية إلا القليل فإنه يقدم الدرس بتلك اللوحة، وهو درس لن يمكن المتعلم من معرفة مستوى تحت أو مستوى فوق. وزد على ذلك أن مرحلة التمرن في نفس الدرس بالصفحة 81 تتضمن لوحة يعتريها خطأ علمي؛ فالزورق الموجود في اللوح هو تحت سطح البحر وهو في مستوى تحت، وعليه يجب أن لا يرسم قاعه أو قاعدته بخط مستقيم أفقي، بل رسمه منغمسا في الماء[4] وسطحه يرسم بشكل تحت، بمعنى إهليلجي والشراع يرسم مقعرا إلى تحت وليس إلى فوق لأنه في مستوى تحت. أما إذا أردنا الإبقاء عليه كما هو مع تعديل رسم الشراع إلى مستقيم بدل التقعير، فيجب نقل الزورق إلى مستوى سطح البحر. وهناك الكثير من الأخطاء العلمية في هذا الكتاب وغيره. الشيء الذي لا يمكن معه بناء علم مضبوء وإنما فن طبيعي أو وحشي أو ساذج كما يطلق عليه بعض الفنانين التشكيليين.

ليس ختاما

في كثير من الأحيان نعتقد أننا نمارس التربية والتعليم فنجد أنفسنا أمام شيء آخر، يمكن أن نسميه وهم التربية والتعليم. وننخرط فيه بوعي أو دون وعي، فنقدم خدمات جليلة؛ منها تسكين الجرح الغائر في تعليمنا، وتوليد الغول الذي يفترسنا أو يخيفنا عندما ننتقده، فنرجع إلى السكينة والهدوء عندما يزأر فينا، ونقول له: " العام زين وكل أعوامك زينة " وإن كنا في آخر الصف الدراسي ننقل من الآخر ما لا يرتبط بنا، وننقل حتى التفاصيل بكل علامات الترقيم وربما ننقلها خطأ ثم نأتي في آخر المطاف لنقول: لنعيد اللعبة من جديد؛ فنجدها لعبة مريحة تعودنا عليها؛ حينها نصبح مبتذلين. نحن الأزمة ذاتها حين نستقيم يستقيم أمرنا.



[1] قدمت هذه المداخلة في ندوة حول إصلاح التعليم نظمتها الجامعة الوطنية لموظفي التعليم يوم الأحد 18/05/2008 بمكناس.

[2] ملاحظة: هذا النص يدخل في النقد الخفي للانتخابات، وهو انتقاد يزيد المسألة تعقيدا لدى الناشئة ولا يصحح مسارها لأنه يفقدها صدقيتها.

[3] انظر بعض دراساتي المنشور في شأنه.

[4] انظر الأوراق صحبته.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

9 Comments

  1. السعيدي علي
    21/05/2008 at 08:54

    السلام عليكم ايها الاخ الكريم اعجبني مقالك هذا فقط اريد ان ان اشير الى قضية واحدة و هي ان بعض المحسوبين على وزارة التبرية الوطنية ينتمون الى عصر الديناصورات او يعانون من امراض نفسية خطيرة متسلطون على رقاب العباد نتمنى ان تقوم الوزارة الوصية بتطهيرهم بانتي ــ فيروس قوي

  2. sanae
    21/05/2008 at 22:52

    السلام عليكم
    اريد ان اشير الى انه من بين المفارقات التي لا تبشر بالخيرايضا ن بعض الأعضاء الدين وضعوا تقرير المجلس الأعلى كانوا هم أنفسهم الدين وضعوا الميثاق الوطني للتربية و التعليم.

  3. عبد الحميد الرياحي
    21/05/2008 at 22:52

    تحية إلى الأخ قريش:
    إن التخبط الذي أصبح يعتري تصرفات المسؤولين على التعليم الحاليين، واضح وضوح الشمس.
    فمن مصطلح « إصلاح لإصلاح » و « تقويم اٌصلاح » و « البرنامج الاستعجالي للإصلاح »، نستنبط بسهولة أن هنا ك أزمة في الأهداف والتصورات.
    وأما التقرير الذي احتاج إلى حملة إعلامية للتطبيل والتزمير، كي يصل إلى جزء من المعنيين بالأمر، إلا دليل آخر على التخبط.
    فلنأخذ جزءا من مقترحاتك أيها الأخ قريش:
    لم لم يحاول المسؤولون السابقون واللاحقون أن يستكملوا أجرة وتفعيل بنود الميثاق ..؟
    لم لم يقوموا بفرض تصحيح الأخطاء في المطبوعات على الناشرين …؟
    لم لم يقوموا باستشارة واسعة تضم كل المعنيين بأمر التعليم في بلادنا …؟
    ألا يستحق تعليمنا أن يقام من أجله استفتاء دستوري …؟
    ألا يستحق الوضع متابعة المسؤولين السابقين واللاحقين على ما وقع من خسائر …؟
    وإلى فرصة قريبة إن شاء الله.

  4. مهتم
    21/05/2008 at 22:52

    أزمة المنظومة التربوية ليست افتقاد تخطبط أو ضعف منهاج أو تطبيق مثاق بل هي اكثر منذلك .
    هي أزمة بشر أي ضمير مهني و سلوك حضري و وعي اجتماعي
    أي تخطيط او منهاج أو مثا ق ينفع مع مدرسين- وهم كثيرون – يدفعون ويلمحون للتلاميذ
    بمغادرة الأقسام وإرغامهم على مزاولة دروس خصوصية
    أي تخطيط او منهاج أو مثا ق ينفع مع إدارة تربوية منشغلة فقط بالإنتقالات و البنايات ولا هم لها
    بالمشاكل التربوية
    أي تخطيط او منهاج أو مثا ق ينفع مع الشركاء الإجتماعيين المنشغلون فقط بالتدخلات و الحصول
    على الإمتيازات . والأمثلة كثيرة في هذا الباب و أنت تعرفها
    وأي وأي وأي ……
    خلاضة: يجب الإبتعادعن ثقافة المخطئ هو الآخر و لبس أنا. يجب مراجعة أنفسناقبل كل شيئ

  5. محمد المقدم
    21/05/2008 at 22:53

    صدقت أخي العزيز على هذا الاتحاف والدراسة المعمقة والمقارنة بين بعض فقرات الميثاق وبعض نصوص النظام الأساسي والتي جاءت مناقضة له ولم تقم بأجراته بل وتراجعت عن الكثير مما نص عليه الميثاق ,حيث ومما جاء في مقالك وعلى سبيل المثال النص في الميثاق على منح المؤسسات التعليمية تدريجيا استقلالا ماليا بدأ بمنحها ميزانية التسيير والصيانة الى مستوى التسيير عن طريق السيكما ولو أن حتى الميثاق فيه ما يقال ولكن على الأقل ضمن بعض الشروط فتراجع عنها النظام الأساسي لمؤسسات التربية والتكوين عندما لم يسمح للمؤسسات التعليمية باستقبال معونة مالية,أقول معونة مالية وليست مادية وكما تراجع عن منح مدير المؤسسة صفة الآمر بالصرف.وشكرا على هذه الدراسات القيمة التي تتحفنا بها بين الفينة والأخرى.وسلام الله عليك.

  6. متتبع
    21/05/2008 at 22:54

    قسما عظما أن معظم المفتشين هم من الفيروسات التي تنخر هيكل وزارة التربية الوطنية، ومن حسن الحظ ليس في مقدورها الولوج إلى التعليم العالي وإلا لصنعت فيه ما صنعته بقطاع التربية الوطنية من خراب وتبخيس لرجال القسم

  7. رجل تعليم
    22/05/2008 at 14:07

    ان ما اعتبرته فيروسات تنخر الجسم التعليمي, هي في نظري اعراض الازمة وليست الاسباب, وتكمن اسباب الازمة في السياسة التعليمية ابتداء من ضعف الميزانية المخصصة للقطاع والخصاص في المورد البشرية كما و نوعا وتشجيع الدولة للقطاع الخاص على حساب المدرسة العمومية والتي اصبحت تتحول تدريجيا الى معازل كيتوهات وبؤر للعنف وكل اشكال السلوكات اللامدنية……
    وكغيورعلىالمدرسةالعمومية لما تمثله من قيم رمزية بالغة الاهمية وفي مقجمتها المساوة بين ابناء المغاربة و زرعها للمثل المشتركة في ما بينهم و دورها في تحصين التعليم والعلم من التبضيع و التضبيع و دورها ايضا في التربية والتربية على المواطنة…اهيب بنساء و رجال التعليم
    والنقابات التعليمية باعتبارهم خط الدفاع الاخير عن المدرسة العمومية ان يستحضروا في مطالبهم اولى الاولويات وهي تحصين المدرسة العمومية والحفاظ على استمراريتها والرفع من مستوى مردوديتها وجودتها والتصدي بكل حزم و جد لمخططات التخريب الي تستهدفها بقصد او بغير قصد. فادا كان من حق اسرة التعليم ان تطالب بتحسين اوضاعها المادية فمن واجبها ان تحي
    المدرسة العمومية
    وادا كانت الحكومة لم تف بالتزاماتها فلن يكون هذا مبررا لنساء و رجال التعليم لكي يقفوا
    موقف المتفرج على مشهد انهيار المدرسة العمومية فهذه الاخيرة نحن جزء لا يتجزامنها
    بل نحن قلبها النابض
    فالتدريس ليس مهنة لكسب اسباب العيش فقط بل هو ايضا مهمة نضالية من انبل المهمات رغم متاعبها القاهرة
    نقول قولنا هذا و نحن على علم بان اسرة التعليم على وعي تام بما يتهدد المدرسة العمومية من مخاطر وهي لا تحتاج الى الدروس غير ان غيرتنا على اسرة التعليم الكريمة تملي علينا ان ندق نقوس الخطرحثى لا نعطي الفرصة لجهات معينة في يوم من الايام لكي تحملنا المسؤولية فيما الت اليه اوضاع التعليم.وان المسؤولية امام التاريخ لجسيمة……..

  8. خي
    22/05/2008 at 17:49

    إن المنظومات التربوية والتعليمية في كل مكان وزمان محكوم عليها بالفشل ما لم تراع التحولات والتغيرات الثقافية والسوسيو-اقتصادية العالمية ، ومن أهم أوتاد الإصلاح والتبديل  » اللغات « .
    ألا تعتقدون أن فلذات أكبادنا لا يفقهون إلا النزر القليل في مبادئ اللغات بعد التحاقهم بالسلك الثانوي الإعدادي ؟ فماذا ننتظر من طفل يجهل اللغة ؟ مادام السلك الإبتدائي يخرج سنويا فلول الأميين -لغويا – فإن لتعليمنا  » موعد مع الموت في سمرقند »

  9. عابر
    29/05/2008 at 15:07

    بعدما كشف التقرير الدولي عن وضعية التعليم ببلادنا والذي يرتب مع دجيبوتي عمد البعض إلى تبني صيغة إستعجالية للتجديد لم تتظح معالمها بعد ,لكن مهما يكن فإن المطروح هو هل فعلا لذى المعنين حقا إرادة صادقة للإصلاح أم أن الأمر لا يعدو أن يكون سوى درأ للرماد في العيون وفي هذه الحالة فإن الخسارة سوف تعمق وتكبر والمأساة سوف تشتد ,وسوف تتعمق الهوة بيننا وبين الركب الحظاري أكثر …وتحية للأخ على المحاظرة القيمة..!

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *