الدبلوماسية المغربية في نصف قرن
الدبلوماسية المغربية في نصف قرن(*) (*) محمد بوبوش: باحث في العلاقات الدولية- وحدة المغرب في النظام الدولي-جامعة محمد الخامس- أكدال- الرباط. يحتفل المغرب يوم 26 أبريل باليوم الوطني للدبلوماسية المغربية الذي تقرر الاحتفال به يوم 26 ابريل من كل سنة، وقد تم اختيار هذا اليوم باستحضار حدث إصدار جلالة المغفور له محمد الخامس للظهير الشريف المحدث لوزارة الشؤون الخارجية والذي صادف يوم 26 أبريل من سنة 1956. ففي السادس والعشرين من أبريل سنة 1956، تسلم المرحوم أحمد بلا فريج الذي كان كاتبا عاما لحزب الاستقلال، ظهير تعيينه كأول وزير للخارجية في المغرب المستقل، بعدما ظلت الشؤون الخارجية للمغرب طيلة عهد الحماية في يد المقيم العام، وقد كتب المرحوم أحمد بلا فريج في ذلك قائلا:\" لقد أسس صاحب الجلالة وزارة الخارجية وارتأى أن يكلفني بتسييرها، وهكذا وجدت نفسي أمام مسؤولية جسيمة، كان لابد من بناء من لا شيء مرفقا وزاريا مهما وتدعيم العلاقات بين المغرب والدول التي اعترفت باستقلاله وتأسيس دبلوماسية مغربية بكل معنى الكلمة\". وقد شكل هذا الحدث النواة الأولى لتأسيس وزارة الخارجية التي تعاقب على إدارتها مجموعة من الرجال. وقد أكد جلالة المغفور له محمد الخامس آنذاك أن العزلة التي عرفها المغرب خلال القرن التاسع عشر هي التي مهدت الطريق أمام المبادرات الاستعمارية، فلا بد إذن من تنويع وتطوير العلاقات الخارجية المغربية لصيانة استقلال البلاد، فبعد فترة الحماية التي دامت 44 سنة يود المغرب ليؤسس من جديد وعلى أسس عصرية وزارة مكلفة بالعلاقات الخارجية وهي من نتائج الاعتراف الدولي، خاصة من لدن فرنسا وإسبانيا الدولتين الحاميتين السابقتين، باستعادة المغرب لسيادته الخارجية. وبذلك كان على المغرب أن يحدد موقفه في المجتمع الدولي تبعا لهويته ومصالحه والدور الذي تؤهله له إمكاناته. ومن المبادئ الأساسية التي وضع بموجبها الإطار الملائم للعمل الدبلوماسي المغربي مباشرة بعد الاستقلال، احترام مبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة بعد انضمامه لهذه الأخيرة سنة، تحديد الدور الطلائعي الذي ينوي المغرب أن يلعبه في المحيط الدولي وأخيرا عدم التبعية لأي كتلة غربية كانت أم شرقية وأخيرا استكمال الوحدة الترابية. وقد استطاعت الدبلوماسية المغربية خلال هذه المسيرة أن تحقق إنجازات مهمة بفضل السياسة الخارجية الذكية للمغرب والتي مكنته من الوصول إلى الموقع الهام الذي يحتله اليوم داخل المجتمع الدولي. فالمغرب اليوم يتمتع بمكانة متميزة بفضل الجهود التي بذلها ومازال يبذلها لربط علاقات جيدة ومتميزة مع سائر الدول الشقيقة والصديقة على أسس السلم والصداقة وحسن الجوار ونبذ العنف والعدوان وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. إن المغرب ينتمي لبلدان العالم العربي وأيضا للقارة الإفريقية وللمحيط الأطلسي أكثر فأكثر، لكنه حريص على تشبثه بالمجال المتوسطي، وبعلاقته مع أوربا، وبالتالي فهو حلقة وصل بين حضارات مختلفة، حيث بات بمثابة مختبر حقيقي، فهو المتوسطي والإفريقي والعربي والإسلامي والمشبع بتراث مزدوج شرقي وغربي. لقد سعى المغرب منذ استقلاله إلى دعم ومساندة حركات التحرر الوطنية في العالم سواء على مستوى المغرب العربي وبصفة خاصة الجزائر التي تلقت الدعم من المغرب سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي، أو إفريقيا حيث دعم المغرب العديد من الحركات الاستقلالية خاصة أنغولا والكونغو وجنوب إفريقيا. وعلى الصعيد العربي، انضم المغرب إلى جامعة الدول العربية في أكتوبر 1958 بعد أن انضم إلى الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الدولية الأخرى مباشرة بعد الاستقلال. وقد جاء الانضمام إلى الجامعة العربية بعد تردد طويل أملته الظروف السياسية التي كان يمر بها الشرق الأوسط إبان المد الناصري وموقف المغرب من سياسة القيادة المصرية آنذاك. ورغم ذلك فقد ساند المغرب وبكل قوة ودون تأخير القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والأراضي العربية المحتلة منذ حرب 1967 ، وقد مساعدات عسكرية في حرب 1973 ، ولا زال المغرب يعمل على انتهاج السبل الممكنة لاستعادة الحقوق العربية المشروعة والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني الشقيق في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل في أمن وسلام. الحضور السياسي للمغرب كان موازيا لحضوره الاقتصادي، الداعي إلى التكامل والتكتل الاقتصادي بين الدول العربية بفضل التحديات التي باتت تفرضها العولمة وأن لا مكان للكيانات الضعيفة في عصر الاندماجات والتكتلات الاقتصادية العملاقة. وهكذا فقد بادر المغرب إلى الدعوة لإنشاء سوق عربية موحدة وخير دليل على هذه العزيمة هو اتفاق أكادير القاضي بإنشاء منطقة للتبادل التجاري الحر بين 4 دول عربية هي المغرب وتونس والأردن ومصر. ومن ناحية أخرى، ظل المغرب يعتبر الاتحاد المغاربي هدفا استراتيجيا لتوفير السلم والتقدم لأعضائه بعيدا عن أي نزعة للبلقنة وفي احترام تام للمقومات الوطنية الكافية لكافة دوله، وحرصا على علاقات حسن الجوار، فقد عمد المغرب إلى تهدئة التوتر المفتعل على حدوده بالعمل الصادق على إيجاد حلول سلمية لمشكلات الحدود التي نشبت مع الجارة الجزائر. على الصعيد الإفريقي، وباعتباره دولة إفريقية، عمل المغرب منذ استقلاله على تقديم الدعم الكامل والمساندة غير المشروطة لحركات التحرر الوطني آنذاك كأنغولا والكونغو و وذلك منذ مؤتمر الدار البيضاء ل
سنة 1961. ورغم انسحابه من منظمة الوحدة الإفريقية، فقد ظل المغرب حاضرا على الساحة الإفريقية وملتزما بالتضامن مع الدول الإفريقية الشقيقة وتعميق التعاون معا في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية سواء عبر العلاقات الثنائية أو في إطار تجمعات جهوية كتجمع دول الساحل والصحراء. ومن هنا نستحضر مبادرة المغرب بإلغاء ديون الدول الإفريقية الأكثر فقرا خلال مؤتمر القاهرة سنة 2000. وعلى الصعيد الأوروبي فقد تميزت السياسة الأوربية للمغرب بكثرة التفاعلات استنادا إلى اعتبارات تاريخية واقتصادية، فهو يحظى بمكانة مركزية داخل هذا الفضاء المتوسطي باعتباره منطقة أمن واستقرار، غير أن هذه العلاقات تفاوتت في تمفصلاتها، فالتفاعل يأخذ عدة صيغ منها ما هو ثنائي تحتل في إطاره العلاقات مع فرنسا واسبانيا المكانة المركزية، باعتبارهما الدولتان الاستعماريتان اللتين احتكا بهما المغرب مباشرة خصوصا فرنسا، ومنها ما يتأطر ضمن علاقات المغرب مع التكتل الأوربي، حيث ابرم المغرب أول اتفاق مع المجموعة الأوربية سنة 1969 مرورا بعدة اتفاقيات ووصولا إلى اتفاق الشراكة الموقع في 26 فبراير 1996، وهو الذي يؤطر حاليا العلاقات المغربية الأوربية ، لكن المغرب ما زال يطمح في الحصول على وضع أفضل \" أكثر من الشراكة وأقل من العضوية\"، خصوصا وأن الاتحاد الأوربي نهج في الآونة الأخيرة سياسة الجوار الجديدة مع دول جنوب المتوسط. وكان ملف استكمال الوحدة الترابية الشغل الشاغل للدبلوماسية المغربية، نظرا للوضعية غير المريحة التي كان عليها المغرب منذ حصوله على الاستقلال، نظرا لعدم تفهم جيرانه لمطالبه الترابية، فكان عليه إقناع إسبانيا بالدخول في مفاوضات حول مستقبل الأقاليم الجنوبية، انتهت بتوقيع اتفاقية مدريد الثلاثية بتاريخ 14 نونبر 1976. وقد عرفت المراحل الماضية محاولات عديدة استهدفت كلها معالجة هذه المشكلة ضمن تطور خاص ولتحقيق أهداف سياسية وإقليمية وإستراتيجية متباينة، لكن الواقع الملموس قد بين فشل تلك المحاولات لسبب بسيط غير أنه سبب وجيه من الناحية السياسية هو أن الأفق السياسي والتطور الاستراتيجي الذي تحكم في تلك المحاولات لم تأخذ بعين الاعتبار قضية الصحراء في شموليتها وفي أبعادها السياسية والإنسانية والقومية ضمن نظرة للمستقبل الوحدوي لمنطقة المغرب العربي الكبير. وقد شهدت قضية الصحراء المغربي في عهد جلالة الملك محمد السادس تطورات مهمة،حيث تم تبني مقاربة جديدة وإحداث قطيعة مع المرحلة السابقة التي ارتكزت على البعد الأمني. وقد عبر المغرب عن موقفه الثابت والرافض لأي تسوية لا تنطوي تحت الوحدة الترابية للمملكة وهو ما تجسد في رفض خطة بيكر الأخير التي تبين عدم انسجامها مع الواقع وافتقارها لأدنى مقومات التطبيق خاصة بعد وصول مخطط الاستفتاء إلى الباب المسدود. وشكل الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 30 للمسيرة الخضراء نقطة تحول كبرى في التعامل مع القضية الوطنية وقد جاء الخطاب الملكي مجسدا لسلوك الوضوح والمسؤولية في مبناه، ولمبادئ الديمقراطية والشرعية الوطنية والدولية في معناه، ومبلورا بصفة حاسمة ومصيرية، أسس التسوية الوطنية الديمقراطية الكفيلة بالطي النهائي والعادل للنزاع المفتعل حول قضية الصحراء، وذلك عبر الإعلان، عن عزم المغرب منح أقاليمه الجنوبية استقلالا ذاتيا يقوم في إطاره سكان الصحراء بتسيير شؤونهم المحلية عبر هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية في إطار السيادة المغربية والوحدة الترابية للمملكة. وتأسيسا على ما تقدم، وفي سياق مشروعه الحداثي والديمقراطي الذي يعمل المغرب على مواصلة العمل به، تبنى جلالة الملك محمد السادس أركان الحل الوطني الديمقراطي لقضية الصحراء المغربية بانسجام مع النهج السلمي للمسيرة الخضراء المجيدة، وتمثلا لثورة الملك والشعب المجيدة، مع بلورة مفهوم متقدم للجهوية تتدعم بها الديمقراطية المحلية، وتتطور بها اللامركزية باعتبارها أداة تمكن السكان من تدبير شؤونهم المحلية والتعبير عن هويتهم الجهوية على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في إطار الوحدة الوطنية. إن المشروع الاستراتيجي الذي دعا إليه الملك محمد السادس والقائم على الحكم الذاتي والجهوية الموسعة، وديمقراطية المشاركة عن قربن يتطلب تعبئة وطنية متجددة لخوض ثورة ملكية شعبية جديدة، تتظافر فيها جهود كل الفاعلين المغاربة من مؤسسات حكومية وأحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني تحت القيادة الملكية الرائدة لمواصلة المسيرة المغربية على درب الوحدة الوطنية والتقدم والديمقراطية. وصفوة القول، أن الدبلوماسية المغربية قد حققت بعض المكتسبات والانجازات، لكن هناك إخفاقات أيضا خصوصا على مستوى تدبير ملف الصحراء المغربية طيلة أكثر من ثلاثة عقود، وبالتالي فإن ذلك بات يفرض بيروسترويكا للسياسة الخارجية المغربية. إن الجهاز الدبلوماسي للمغرب المتمثل في وزارة الخارجية في حاجة إلى إعادة تأهيل، فلا يمكن العمل داخل بيت زجاجي منغلق دون الأخذ بعين الاعتبار تحديات العولمة والدور المتصاعد للفاعلين الدبلوماسيين الجدد من أحزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني والدبلوماسية البرلمانية، إضافة إلى ما تزخر به الجامعة المغربية من أطر عليا ومتكونة في هذا المجال. فمن الضروري كما يقول الدكتور الحسان بوقنطار، أن يضطلع الفاعلون الجدد في الدبلوماسية المغربية بدورهم ولو على سبيل الاقتراح والاستشارة لمساعدة الدبلوماسية الرسمية
على بلورة تصورات تستجيب لمكانة المغرب في محيطه الدولي.
Aucun commentaire
لقد قدمت لنا ايها الأستاذ الكريم سي بوبوش تحليل جد مفيد حول الدبلوماسية المغربية ، وكم نتنمنى ان تتحفنا كل مرة بدراساتكم القيمة ، والتي نستفيد منها كثيرا لأنها دراسات علمية ، وتعكس بالفعل انكم تستحقون ان تكونوا استاذا باحثا …. ويحق لمدينة وجدة ان تفخر باحد ابنائها
أعرف المدعو محمدلبوبوش جيدا فهو باحث طبعا، باحث عن كل شيء وفي كل شيء، وفي كل حين يطلع علينا بمفاجئة، نقل من أساتذة كبار محترمين يعتقد أن القاء لن يصل إليهم، على سبيل المثال هذا المقال جزء منه مقتطف من أحد حوارات الدكتور الكبير بوطالب المستشار السابق مع مجلة كونغولية لا تملك موقعا متواضعا للأنترنت وهي وجلة la actualité أتسائل مع نفسي لمذا هذه القرصنة وكل المراجع متوفرة في بلدنا لمذا هذا الركوب على أساتذة نهلنا على أيديهم وهل نعول على مثل هؤلاء في الحقيقة أرى ومضعية البحث العلمي في المغرب في صورة هذا البوبوش ولا حول وقوة إلا بالله.
اعتقد ان التعقيب الاخير للطالب المغربي قد وفى بالغرض و هنا يبدو لنا جليا واقع البحث العلمي بالمغرب فالدول المتخلفة لا تكون الا باحثين متخلفين.
البحث اعتمدنا فيه على المراجع التالية وأن كان الحيز المكاني لا يتسع لادراجها،
د.الحسان بوقنطار:السياسة الخارجية المغربية،الفاعلون والتفاعلات.الرباط 2002
أهداف ثابثة لدبلوماسية متحركة،مطبوع وزارة الخارجية المغربية2000 ،+عروض شخصية قمنا بها فالسلك الثالث بالرباط