هل يسعى رئيس الحكومة عبدالاله بنكيران الى احياء الكتلة الوطنية ؟
انغير بوبكر
زيارة رئيس الحكومة المغربي عبدالإله بنكيران للمقر المركزي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال شهر رمضان الجاري في اطار جلسات الامتاع والمؤانسة التوحيدية ، ليس امرا مفاجئا الا لمن لا يقرأ مابين السطور في السياسة المغربية الجديدة وتطوراتها المتسارعة والتي يعبر عنها رئيس الحكومة في رسائل مشفرة احيانا وواضحة في اخرى ، يعبر فيها عن ميولاته الشخصية السابقة واللاحقة نحو الاتحاد الاشتراكي قديما وحديثا ، فالسيد بنكيران سبق له ان اشاد بقيادي اتحادي سابق وبمقالاته وهو محمد الساسي وسبق ان اكد ان الاتحاد الاشتراكي هي مدرسته السياسية وانه تعلم فيها الابجديات السياسية قبل ان يلتزم سياسيا في الاتجاه الاسلامي قبل ان يكيل المديح والثناء للمواقف السياسية للمرحوم الزايدي ومشايعيه السياسيين من اصحاب البديل الديموقراطي حاليا . ، فالامين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي يسعى جاهدا الى ترتيب الخريطة السياسية لما بعد 7 اكتوبر 2016 وتلطيف الاجواء بين الحزبيين التقليديين استعدادا لادخال الحزب الاشتراكي الى التحالف الحكومي المقبل و الاهم من ذلك كله ، حشر الغريم التقليدي للحزب الاسلامي في الزاوية السياسية ونقصد به حزب البام. وحيث ان السيد الرئيس ادرك حقيقة مؤكدة ان الدولة العميقة في البلاد ماتزال مقتنعة بان حزب العدالة والتنمية سيأتي اولا في الانتخابات المقبلة او ربما هذا الاقتناع المتبادل ما بين الدولة العميقة وحزب العدالة والتنمية هو ما سهل تنازل الحزب وامينه العام على الاصح عن التشبت بعتبة 6 في المئة في الانتخابات المقبلة والتي ستقصي الاحزاب الاشتراكية المغربية القليلة اصلا، من ولوج البرلمان المغربي . ولكن لماذا يصر بنكيران دائما وابدا على الانفتاح على حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رغم ما اصاب هذا الاخير من هزال سياسي وترهل تنظيمي راجع في جزء منه الى العجز عن تدبير الاختلافات الداخلية وتمسك قيادته الحالية بقراراتها السياسية التي لم تكن دائما موفقة ؟
وهل موقف بنكيران ايمان عميق بالخط السياسي الاصلاحي لحزب الاتحاد الاشتراكي،( ان كان هناك اصلا خط او منهج سياسي لدى هذا الحزب) او لضرورة سياسية ملحة املته تحالفات تكتيكية لإضفاء الشرعية السياسية على الحكومة المقبلة في اطار تحقيق تحالف بين احزاب وطنية مستقلة نسبيا في قرارها و منبثقة عن الشعب المغربي .؟؟
في نظري المتواضع هناك ثلاث عناصر اساسية عجلت بعودة الدفء الى العلاقات الاسلامية الاتحادية (وان كان الكاتب الوطني للاتحاد الاشتراكي ادريس لشكر غير مستقل تماما في قراره الحزبي ولم يستطع بعد ان يعترف بانهزام خياراته امام رئيس حكومة اسمه عبدالإله بنكيران وهذا مايبرر ربما عدم حضوره لندوة المؤانسة رغم علمه وموافقته على احتضان المقر الاتحادي لها ) ، و جعلت العدالة والتنمية يتنازل بوضع الاتحاد الاشتراكي في قائمة محور الشر ويؤهله ليكون في دائرة التحالفات المستقبلية ، ويعطي اشارات مستقبلية مطمئنة لبعض الاطراف السياسية و مربكة لاغلبية الاحزاب السياسية الاخرى ومنها الاحزاب المشكلة اليوم للاغلبية الحكومية.
العنصر الاول : حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لم يستفد من تحالفه السابق مع البام اي شئ بل خسر كل شئ بما فيه عناصر حزبية اساسية وكفاءات انتهى بها الامر الى تاسيس حزب جديد سرعان ما عبر هذا الوافد الجديد عن اصطفاه الى جانب العدالة والتنمية وان بشكل غير مباشر في اول تصريح لمنسقه الوطني ، البرلماني السابق علي اليازغي ابن السياسي المخضرم محمد اليازغي ، الذي اكد انه ضد التحكم وضد اساليب الماضي في الممارسة السياسية ومعروف مغربيا ان التحكم يقصد به ما يقصد به في القاموس السياسي المغربي المتداول،كما ان حضور احد قيادي حزب العدالة والتنمية وهو لحسن الداودي للمؤتمر التاسيسي ، اعلان اعتراف ضمني وترحيب سياسي بالوافد الجديد. لذلك الاتحاد الاشتراكي يدرك تماما ان تحالفه مع البام بعد انتخابات الجهات وبعد انتخابات مجلس المستشاريين لم يضف اي جديد لرصيده السياسي ، وانه لابد سيغير الموقع فخيبة النتائج تحتم تغيير الخطة والاداء .
العنصر الثاني : قيادة العدالة والتنمية تدرك ادراكا تاما بان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية له رصيد تاريخي ونضالي مهم وسيعطي اي حكومة ينتمي اليها ذوقا سياسيا متميزا عكس التحالفات الحكومية الحالية الهجينة التي اقتضتها فقط الحسابات المصلحية والعددية في اطار ملئ الفراغ الحكومي وربح الوقت السياسي ، فبنكيران حاول منذ بداية تشكيلة حكومته في صيغتها الاولى اشراك الاتحاديين وبالشروط التي يرغبون فيها وهذا ليس سرا نذيعه بل حقيقة معروفة، ولكن قيادة الاتحاد رفضت العرض بطريقة غير مفهومة ومفاجئة حيث اعتبرت في تقديرها السياسي او اوحي اليها ذلك ان حكومة العدالة والتنمية هي حكومة مؤقتة وان المياه سرعان ما ستعود الى مجاريها « الطبيعية » وسيتم التخلي عن حزب العدالة والتنمية ، لكن السياسة لا تسير دائما بالاماني والارادات والوعود بل هناك الواقع الذي لا يرتفع ، واقع ان العدالة والتنمية شئنا ام ابينا استطاعت ان تستوعب شروط اللعب واكثر من ذلك ان تتقن فن السلطة والمعارضة في نفس الحين فاستفادت من دروس فشل حكومة التناوب ولم تلعب لعبة السلطة فقط بل زواجت بين الحكومة والمعارضة فمارستهما في نفس الوقت واحتفظ رئيس الحكومة على تواصله الدائم مع حزبه بشكل مستمر وبل متضخم ان شئنا عكس السيد عبد الرحمان اليوسفي الذي سكت دهرا من الزمان وما زال ساكتا وفرط في النقابة والشبيبة والحزب ماعدا خرجة بروكسيل التي اتت فيما بعد ولم يكن تأثيرها قويا اذ جاءات صرخة متاخرة بعد فوات الاوان . فعلى سبيل المثال بنكيران يقرر بشكل متعسف ولا دستوري الاقتطاع من اجور العمال والموظفين المضربين ومهادنة الباطرونا بل محاباتها ان شئنا القول الصحيح كرئيس للحكومة ثم يحضر للبكاء على منصة النقابة العمالية ليطالب بتحسين ظروف العمال والموظفين والنضال ضد جشع الراسمالية، هذه الازدواجية لم يستطع السياسي عبد الرحمان اليوسفي تطبيقها اثناء ولايته الحكومية بل انشق الحزب في عهده وتمزقت النقابة وانفرط عقد الشبيبة .
العنصر الثالث وهو الاهم يتعلق بالعلم اليقيني لبنكيران بان المؤسسة الملكية بالمغرب ماتزال وربما ستظل تحرص على وجود الصوت الاشتراكي في البرلمان وفي الحكومة ، لان الاتحاد الاشتراكي كان له الفضل في انجاح انتقال العرش بعد وفاة المرحوم الحسن الثاني من ملك الى اخر ، كما ان الاتحاد ضحى بشعبيته الكبيرة في سبيل ابقاء الحكم قويا ومترسخا وهذا الثمن السياسي الفادح الذي بذله الاتحاد كان من اجل استقرار المغرب وضمان وحدته وتماسك عناصر الامة المغربية وبالتالي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية رقم سياسي صعب وضروري في المعادلة السياسية المغربية ، ولا يحسب ذلك بعدد مقاعده البرلمانية ولكن بتاريخه وعلاقاته الدولية مع الاممية الاشتراكية وعلاقاته الواسعة مع الاحزاب السياسية دوليا وعمله الكبير من اجل الدفاع عن الوحدة الترابية المغربية في المحافل الدولية . صحيح ان الاتحاد ضعف كثيرا و لم يعد له امتداد شعبي وسيطر عليه رجال الاعمال والمصالح ولم يعد يمثل الطبقات الصغرى والمتوسطة ، وهي شرايان الحياة بالنسبة للاحزاب الحداثية ، كما ان خطه السياسي والايدولوجي مغيب تماما ، فالاتحاد اليوم بدون هوية ايديولوجية وبدون تموقع طبقي هذا كله صحيح واكثر من ذلك ،ولكن رمزيته السياسية والتاريخية والعلاقات المتشعبة التي ربطها قادته التاريخيين مع القصر ورجالاته ، جعل الاحتفاظ به كشريك حكومي محتمل من قبل العدالة والتنمية مجاراة لميولات القصر اكثر منه اقتناعا بقوته او جماهيرته.
يبقى ان نقول بان عبدالإله بنكيران اذا ما فاز حزبه بالمرتبة الاولى في الانتخابات القادمة وهذا هو الارجح لعدة عناصر متظافرة سيحاول تجسيد حلم اتحادي قديم هو الكتلة الوطنية التي نظر لها المفكر المغربي الراحل محمد عابد الجابري في سياق سياسي ودستوري اشبه باليوم مع لاعبيين سياسيين مختلفين طبعا . الكتلة الوطنية ضد الاحزاب الادارية سابقا واليوم لا اعلم تحديدا ضد من ؟ الجواب في المستقبل.
انغير بوبكر
باحث في العلاقات الدولية
المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان
Aucun commentaire