مصطلح سلوك مدني تحت الضوء
من شعارات وزارة التربية الوطنية لهذا الموسم: [المدرسة والأسرة معا من أجل ترسيخ السلوك المدني ]. وعبارة سلوك مدني تجمع بين كلمتي: سلوك، ومدني.
أما السلوك لغة فهو الدخول والخوض إذ نقول سلكت المكان سلكا وسلوكا إذا دخلت فيه ، أو سلكت الطريق إذا سرت فيه ، وسلكت الشيء في الشيء إذا أدخلته فيه كسلوك الخيط في الإبرة ، والسلوك أيضا جمع سلك وهو الخيط الذي ينظم فيه الخرز مثلا. وتستعمل هذه الكلمة استعمالا مجازيا للدلالة على العادة والسجية والطبع أو ما يعرف بالخلق. ولما كان الخلق مسارا معينا من الأفعال المتعارف عليها اجتماعيا سمي سلوكا لأن الناس يسلكونه وكأنه طريق وهو من باب إطلاق اسم الوسيلة على الغاية.
أما صفة مدني فتقابل صفة عسكري، وهي صفة الشخص الخارج عن نظام عسكري لهذا يقال طيران مدني، ووقاية مدنية، وحالة مدنية، وحقوق مدنية ويقال حتى حرب مدنية ويقصد بها الحرب الأهلية. وقد تستعمل هذه الصفة للدلالة على ما هو حضري مقابل ما هو قروي. وقد تستعمل للدلالة على ما هو حضاري مقابل ما هو همجي ومتخلف.
ووزارة التربية الوطنية إنما تريد بالسلوك المدني [الفعل المتحضر] المقابل للفعل غير المتحضر حتى لا أضطر لاستعمال كلمة أخرى. والمفهوم مقتبس من المجتمعات الغربية التي تدين بالعلمانية الفاصلة للدين عن الدنيا. ولقد حل مفهوم السلوك المدني في المجتمعات العلمانية محل السلوك الكنسي. وآفة الاقتباس الأعمى الوقوع في حيص بيص كما يقال ، وهو ما عبر عنه الحديث الشريف بولوج جحر الضب المنتن بسبب التقليد الأعمى.
ولعل بعض النوايا لدى مسئولي الوزارة أن تكون قد نحت نحو التقليد الواعي الهادف إلى سلوك مسلك الغرب في السلوك وفق نظرة علمانية تقصي الدين من الواقع.
والمصطلح المناسب للدلالة على ما تريده الوزارة من مصطلح سلوك مدني هو تخليق السلوك ،لأن السلوكات الملحوظة في أوساط المتعلمين داخل وخارج المؤسسات التربوية هي سلوكات بعيدة عن الأخلاق التي يتبناه المغرب باعتبار عقيدته الإسلامية. والتخليق لا يكون إلا بالعودة إلى المرجعية الدينية في شكل عقيدة سنية أشعرية ومذهبية مالكية كما ينص على ذلك دستور البلاد.
وما يسمى سلوكا مدنيا في مجتمع مسلم هو السلوك الإسلامي بما في كلمة إسلامي من دلالة على السلم كما جاء في الحديث الشريف : [ المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه ] فسلم الناس من أذى اليد و أذى اللسان هو ما تريده الوزارة الوصية بالسلوك المدني ولكنها لم ترض بالمرجعية الدينية ورضيت بالمرجعية العلمانية بسبب التقليد سواء الأعمى الضبي أم القصدي الثعلباني.
فالسلوك السليم المفضي إلى سلم مع الأشخاص والأشياء يسلكه العلماني بقناعة مفادها الخوف من النعوت المشينة كالسلوك الهمجي والمتخلف، بينما يسلكه المسلم بقناعة التعبد والطاعة والعبادة والخوف من الله عز وجل، وشتان بين المنطلقين.
فلون أن الناشئة عندنا ربيت على الخلق الإسلامي لما كانت في حاجة إلى الاستبضاع من الغرب في مجال القيم والأخلاق لأن الإسلام دين خلق بامتياز وهو خلق يترجم القرآن كواقع كما قالت عائشة أم المؤمنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئلت عن خلقه : [ كان خلقه القرآن ] وهو خلق قال عنه رب العزة سبحانه : [ وإنك لعلى خلق عظيم ] .
إن بلوغ هدف وغاية ما يسمى بالسلوك المدني هو تخليق الناشئة بخلق القرآن ، وهو خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة [ لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة ] .
وإن ما نعاينه ونلاحظه داخل مؤسساتنا التربوية وخارجها بين المتعلمين من سلوكات مشينة يعكسها العدوان والتدمير والعنف والغش والتهاون وانعدام الضمير والفحش ومختلف الرذائل كلها مستورد وافد لا علاقة لمجتمعنا به. ومن المضحك أن الجهة التي صدرت لنا الرذائل من قبل تصدر لنا اليوم السلوك المدني وصدق من قال: [ لو كان الخوخ يداوي لكان داوى نفسه ] فأنى لخوخ ينخره الدود أن يداوي المريض ؟؟ فمتى تقلع الوزارة عن الاستيراد ؟ ومتى يظل بابها مفتوحا لكل وافد والمثل يقول : [ الباب المحلولة ـ أي المفتوحة ـ تدخل غول أوغولة ] والغولة هي السعلاء وهي شر من الغول كما يقال
2 Comments
و الله العظيم لم أفهم معنى هذا الشعار لحد الآن.إنه شعار غامض ليس له هدف محدد.و لا يمكن تطبيقه.لقد عودتنا الوزارة بهذا الغموض.و أكبره هو التدريس بالكفايات التي عجز الجميع عن فهمهاا لحد الآن
السلام عليكم أشكرك أخي على إثارت الموضوع وكان الأجدر بالمسؤولين عن التربية أن يستعملوا مصطلح التربية الدينية أو الأخلاقية أو المعاملة الحسنة أو رفع شعار أحب لأخيك ما تحبه لنفسك …بدلا من المصطلح الهجين والغريب عنا مصطلح السلوك المدني خصوصا وأن المصطلح نسبي وليس من الضروري أن يحيلنا على ماهو ق أخلاقي وحسن بالنسبة لمجتمعنا فالاختلاط مثلا يعتبر سلوك مدني عند الغرب ولكنه عندنا يعتبر سلوك منحرف …