مهنة التمريض بمختلف تلويناتها و تخصصاتها…بيننا من اختارها عن سَبقِ معرفة و إرادة أما الغالبية العظمى فسُيِّـرَت إليها لقِصرِ ذاتِ اليَدِ و لاختصار الطريق نحو مصدر يقي و لو جزئياً من ظلم و قساوة العيش في بلدٍ نُحبهُ و إن جارَ…و لأننا كذلك ضحية لنظام تعليمي مبني على التقليد و التنكر لخصوصياتنا المغربية الإسلامية القُحة، نظام لا يعطي أدنى أهمية لميولات و طاقات الطلبة الموازية و لا يكترث لإرادتهم و اختيارهم، بل إن عملية « التوجيه البيداغوجي » المُتكامل و المراعي لخصوصية كل تلميذ و طالب تكاد تكون منعدمة، و إن وُجدَت فهي مشوَّهَـة…

على الذين اختاروا أو سُـيِّروا إلى مهنة التمريض العزيزة علينا أن يعملوا على تشريفها و إعلاء قضيتها كل من مكانه و حسب طاقته، فنحن لم نختر أسماءنا و مع ذلك نحبها و نمقُتُ مَن يسُبها أو يُحرِّفُها و إن مازِحاً، و نحن لم نختر آباءنا و أمهاتنا و مع ذلك نعشقهم و نحترمهم و نبذُل أرواحنا و أغلى ما لدينا حتى نُكرمهم و نسنُدهم… كذلك أقول لمن يُحس بعدم الانتماء لمهنة التمريض أو يحاول نكرانه، أنتِ أو أنتَ الآن تعيش كريماً بفضل التمريض، تملك رصيداً علميا معرفيا و خبرةً ميدانية بفضل التمريض، تجني أجراً عظيماً سـيُـثـبِّـتُ قدميكَ لا محالة عند السؤال في الدار الأخرى بفضل التمريض، تبني أسرةً و تُربي فلذات كبدك بفضل التمريض… في المقابل ماذا منحت لمهنة التمريض؟؟

نحن في حاجة ملحة اليوم أكثر من أي ظرفية أخرى إلى تصالح الممرض مع مهنته قبل تصالحه مع الوزارة أو المواطن، إلى رد الاعتبار لمهنة التمريض من قبل الممرض نفسه أولاً و قبل أيٍّ كان، إلى تطوير مهنية الممرض و معارفه و ثقافته الشاملة من طرفه هو أولاً قبل طلب ذلك من الآخر…

اليومَ أعتبر شخصيا أن النصيب الأوفر في إنجاح انتفاضة « إعزاز و إكرام و تطوير مهنة التمريض » هو مسؤولية تاريخية ملقاةٌ على عاتق أساتذة المعاهد العليا للتكوين الأساسي و كذا الممرضين المُزاولين القائمين على التأطير الميداني للطلبة، ها هنا يبدأ التغيير و ها هنا تُزرَعُ الكفاءة و الكرامة و هَوَسُ الانتماء و الاعتزاز بالمهنة…تلوينٌ آخر من تلوينات المشهد التمريض يجب عليه تقَـلُّـدُ مسؤوليته التاريخية في الرقي بالمهنة و بجُندها، أخص بالذكر الممرضين خريجي المعهد الوطني للتدبير الصحي (سابقا)، و كذا خريجي السلك الثاني لمعاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي (سابقا) و كذا نخبة الممرضين الشاغلين لمراكز استراتيجية سواء داخل المصالح المركزية أو اللامركزية لوزارة الصحة، ساهموا برصيدكم المهني المعرفي المتميز، ساهموا بأفكاركم النيِّرة حبيسة جدران فصول التكوين و التكوينات المستمرة، شرِّفوا مهنةً شرّفتكم و ارتقَت بكم…فالتفاحة و إن نضجت و اكتملت لا تسقط بعيداً عن الشجرة…يحضرني هنا مقتطف من رواية « أرض النفاق » ليوسف السباعي يقول فيه: « يا أهل النفاق تلك هى أرضكم .. وذلك هو غرسكم … ما فعلت سوى أن طُفتُ بها وعرضتُ على سبيل العيّـنة بعضَ ما بها.. فإن رأيتموه قبيحا مشوها ، فلا تلوموني بل لوموا أنفسكم … لوموا الأصل ولا تلوموا المرآة. أيها المنافقون هذه قصتكم ، ومن كان منكم بلا نفاق فليرجمني بحجر »… « القضية التمريضية » بالنسبة لي لا تختلف عن « قضية الوحدة الترابية » أو عن « القضية الفلسطينية » من منطلق عدالتها و صدقها و استحقاقها لكل تضحية و بَذْل.

لعل وقفة 11 نونبر 2015 التي حضرها المئات من ممرضي المملكة أمام وزارة الصحة لتذكيرها بقضية الممرضين و بتنكرها لبنود اتفاق 5 يوليوز 2011 الذي وقعته بمعية أربع نقابات صحية و وزارتي المالية و تحديث القطاعات، و الذي التزم فيه هؤلاء بالمعادلة الادارية و العلمية لدبلوم ممرض مجاز من الدولة (المُتَوِّج للنظام التكويني القديم) بسلكيه الأول و الثاني، و بإحداث هيئة وطنية للممرضين و بتعديل النظام الأساسي للممرضين الذي يعطي حاليا نفس المهام لفائدة 18 تخصص بالسلك الأول و تخصصين بالسلك الثاني (حراس المصالح الصحية و الأساتذة الدائمين) إضافة إلى الدرجات الثلاث المكونة لإطار الممرضين!!؟. زد على ذلك عدم تكافؤ التعويضات عن الأخطار المهنية رغم أن الخطر واحد، و قانون المزاولة الغائب عن تأطير عمل ممرضي القطاع العام و المُفصل في المقابل لعمل نظرائهم في القطاع الخاص رغم قلتهم… جاءت الوقفة أيضا لتذكير من يعنيهم الأمر بأن نضال الممرضين يَمرَض لكنه لا يموت… الملاحظ من خلال ذاتِ المحطة هو الحضور المكثف لنخبة من الممرضين ذوي الثقل النضالي و التأثير الجماهيري المشهود لهم بالغيرة و الصدق و التضحية، حيث طُرحت مجموعة من الأفكار و الأرضيات المميزة بهدف ضخ دماء و قوة اقتراحية غير مسبوقة داخل القلب النضالي التمريضي…هل هي إذن وَمَضاتٌ لاستفاقة تمريضية نوعية؟ هل ستنجح هذه الصحوة في جَمْعِ ما تفرَّقَ بينَ تلوينات الجسم التمريضي و فئاته؟ هل هو إيذانٌ بصحوة « النُّخبة التمريضية »؟…

و تقبلوا زلات و هفوات أخيكم و رفيقكم محمد عبد الله موساوي.