الفن أو التطرف ؟
في مساء يوم الخميس ،وبعد صلاة التراويح ،كانت مدينة وجدة على موعد مع افتتاح الدورة الرابعة والعشرين للمهرجان الدولي للطرب الغرناطي ،بمسرح محمد السادس الذي ينظم هذه السنة تحت شعار “وفاء لشيوخ الطرب الغرناطي »”
مهرجان دأبت مندوبية الثقافة على تنظيمه من سنة إلى أخرى ،وزاد في قيمته هذه السنة حصوله على الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس .
قصر الوقت بين نهاية صلاة التراويح ووقت السحور في هذه الليالي الرمضانية ،جعل الناس مترددين بين حضور الافتتاح ،أو قضاء بعض أغراضهم ، خاصة وأننا على بعد أيام فقط، من حلول عيد الفطر ،و مع ذلك ،فقد امتلأت جنبات المسرح بجمهور غفير، أغلبهم من متذوقي هذا الفن ومن عشاقه ، وبحضور بعض الشخصيات ،وعلى رأسها السيد الكاتب العام لولاية وجدة ،والسيد مدير وكالة تنمية أقاليم الجهة الشرقية ،والسيد ممثلة وزير الثقافة والسيد مندوب وزارة الثقافة ،والسيد القنصل العام للجمهورية الجزائرية ، وبعض الشخصيات وبعض الرواد …
صعدت إلى الخشبة مجموعة البراعم تحت قيادة الأستاذ الشيخ الشاب » مني » ،فتيان وفتيات ،يتغنون بشذرات من الطرب الغرناطي ، رددها معهم كل جمهور مسرح محمد السادس ،لأن معظم مقاطعها مألوفة لديهم بحكم احتضان مدينة وجدة لهذا الفن منذ قرون ،وتعود ساكنة وجدة على سماعه في أغلب المناسبات والتظاهرات المحلية.
بعد ذلك ، أخذ الكلمة للسيد مندوب الثقافة بوجدة ، الذي أبرز ما للتراث الغرناطي من فائدة على الجهة ،وكيف انه يساهم في تعزيز الأخوة والصداقة بين الشعوب باعتباره يدخل في الدبلوماسية الثقافية .
السيد محمد لمباركي مدير وكالة تنمية الجهة الشرفية أبدى بدوره كامل استعداد الوكالة لدعم هذا التراث وتثمينه والعمل على صيانته.
تواصل البرنامج بصعود مجموعة من عمالقة هذا الفن ،بقيادة الأستاذ المايسترو محمد صالح أطال الله عمره .خمس جمعيات مجتمعة ، بروادها وشبابها ، في تناسق تام، قمة الإبداع عزفا وإنشادا .شرف لمدينة وجدة ولجمهورها أن تتوفر على هذه المجموعة المحترفة .أغلب الفنانين أعرفهم ،المايسترو الغني عن التعريف محمد شعبان ،أخوه نصر الدين شعبان ،الغيدي ،فقير ،خولة بنزيان ،حسني وفنانون آخرون أعرف وجوههم ولا اعرف أسماءهم.
الليلة عرفت تكريم مجموعة من المناضلين القدامى في فن الطرب الغرناطي وعلى رأسهم الفنانون الدكتور محمد فوزي و الدكتور كمال بنعلي وحسن بنطاهر وحسن الزرهوني و الدكتور طه الهدام.
لقد كان الطرب الغرناطي في وجدة ،دليلا على بعد المدينة المغاربي ،ويتجلى دائما في مشاركة مجموعات من الجزائر في أغلب دوراته وهو ما يؤكد أن هذا الفن ، يؤكد التعايش والتفاهم الذي يطبع دائما العلاقات بين الشعبين المغربي والجزائري وهو ما يجب أن يستوعبه السياسيون .
شباب وشابات ،رواد ورائدات ،اجتمعوا في ليلة رمضانية ليست ككل الليالي ،بين جمهور مولع بطرب غرناطي أصيل يجري في العروق ،علاقات بين شباب وشابات يطبعها الاحترام والتقدير ،جو أخوي تشم رائحته بين أعضاء المجموعات ،تحت قيادة رصينة للمايسترو محمد شعبان ،الذي كان بمثابة أب للجميع ، هناك الأخ مع أخته في نفس المجموعة والأب مع إبنه والزوج مع زوجته ،إنها العلاقات التي تطبع الوجديين منذ القدم ،تسامح وتعايش، كان حاصلا حتى مع ديانات أخرى غير الديانة الإسلامية ،أظننا بالفن الجميل يمكن أن نحارب الإرهاب والتطرف خاصة في هذا الوقت الذي كثر فيه المكفرون والدعاة الجدد ،فما أظن أن طفلا يتتلمذ على أيدي هؤلاء الرواد ،سيصبح إرهابيا أو متطرفا في يوم من الأيام ،فإما الفن أو التطرف وعلى الدولة أن تعي بأن مدارسنا يجب أن تنفتح على جميع الفنون ،وتجعل من الأجيال القادمة، علماء ومهندسين فنانين ودكاترة فنانين كما كان الحال مع الدكاترة المكرمين في هذه الليلة.
Aucun commentaire