قراءة في كتاب » الرسول المعلم » 2/2
أحمد الجبلي
في هذا الشق من الكتاب، يتحدث الشيخ عبد الفتاح أبو غدة عن أساليب رسول الله صلى الله عليه وسلم في العملية التعليمية، ويقدم لهذه الأساليب بقوله:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختار في تعليمه من الأساليب أحسنها وأفضلها وأوقعها في نفس المخاطب وأقربها إلى فهمه وعقله، وأشدها تثبيتا للعلم في ذهنه، وأكثرها مساعدة على إيضاحه له.
ويقول: من خلال دراستنا لكتب السنة وإذا قرأناها بإمعان سنجده صلى الله عليه وسلم يلون الحديث لأصحابه ألوانا كثيرة، فكان تارة يكون سائلا، وتارة يكون مجيبا، وتارة يجيب السائل بقدر سؤاله، وتارة يزيده على ما سأل، وتارة يضرب المثل لما يريد تعليمه، وتارة يصحب كلامه القسم بالله تعالى، وتارة يلفت السائل عن سؤاله لحكمة بالغة منه صلى الله عليه وسلم، وتارة بطريق الرسم، وتارة بطريق التشبيه أو التصريح، وتارة بطريق الإبهام والتلويح.
وتارة كان صلى الله عليه وسلم يورد الشبهة ليذكر جوابها، وتارة يسلك سبيل الدعابة والمحاجاة فيما يعلمه، وتارة يمهد لما يشاء تعليمه تمهيدا لطيفا، وتارة يسلك سبيل المقايسة بين الأشياء، وتارة يسأل أصحابه وهو يعلم ليمتحنهم بذلك، وتارة يسألهم ليرشدهم إلى موضع الجواب، وتارة يلقي إليهم العلم قبل السؤال، وتارة يخص النساء ببعض مجالسه ويعلمهن ما يحتجنه من العلم، وتارة يراعي حال من بحضرته من الأطفال والصغار، فيتنزل إليهم بما يلائم طفولتهم ولهوهم البريئ، إلى غير ذلك من فنون تعليمه صلى الله عليه وسلم.
وسنذكر بعضا من النماذج التي ذكرها الشيخ أبو غدة بالتفصيل والتحليل، منها:
1 – تعليمه صلى الله عليه وسلم بالسيرة الحسنة والخلق العظيم:
وهي من أعظم وأبرز أساليبه صلى الله عليه وسلم في التعليم، فكان إذا أمر بشيء عمل به أولا، ثم تأسى الناس وعملوا كما رأوه، وكان خلقه القرآن، وجعله الله تعالى أسوة،
وسنكتفي بحديث واحد يدل على هذا الأسلوب وجدواه: جاء في الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر في ترجمة الصحابي الجليل ( الجُلندى ملك عمان)إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليه عمرو بن العاص يدعوه إلى الإسلام فقال: « لقد دلني على هذا النبي الأمي: أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يهجر،( أي لا يقول القبيح من الكلام) وأنه يفي بالعهد، وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي »
2 – تعليمه صلى الله عليه وسلم بأسلوب التدريج:
وكان صلى الله عليه وسلم يراعي التدريج في التعليم، فكان يقدم الأهم فالأهم، ويعلم شيئا فشيئا، ليكون أقرب تناولا، وأثبت على الفؤاد حفظا وفهما.
روى ابن ماجة عن جندب بن عبد الله قال: » كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة ( أي قاربوا البلوغ) فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن، فازددنا به إيمانا »
روى البخاري ومسلم واللفظ لمسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معادا إلى اليمن، فقال: إنك ستأتي قوما من أهل الكتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إلاه إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك…الحديث »
إن العلم الحديث في التواصل وميكانيزمات الخطاب يعلم معلم الناس قبل خطابهم أن يتعرف خصوصياتهم وخلفياتهم وثقافتهم لأن ذلك يساعده في اختيار الخطاب المناسب لهم، ولذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم معادا بأنه سيتوجه إلى أناس من أهل الكتاب، أي بسط له الأمر ويسره له حتى ينجح في مهمته التي هي مهمة التبليغ، وبالتالي كان الخطاب أنسب لهم لكونهم أهل كتاب ولهم سبق معرفة بالله الواحد الأحد والنبوءات والرسالات، ولعلهم لو كانوا قوما وثنيين لكان الخطاب يتمحور حول عدم نفع أو ضرر تلك الأصنام لتدمير المعتقد الأول الفاسد وإحلال مكانه المعتقد الصحيح وهو التوحيد.
ويستمر الشيخ أبو غدة مسترسلا في ذكر أحاديث أخرى تدل على أسلوب التدرج في التعليم والذي كان يستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطابه مع الآخرين ن من ذلك ذكره لحديث رواه الإمام أحمد في مسنده قال: حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقترؤون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل »
3 – رعايته صلى الله عليه وسلم في التعليم الاعتدال والبعد عن الإملال:
كان صلى الله عليه وسلم يتعهد أوقات أصحابه وأحوالهم في تذكيرهم لئلا يملوا وكان يراعي في ذلك القصد والاعتدال.
روى البخاري ومسلم واللفظ له عن الأعمش عن شقيق أبي وائل قال: كنا جلوسا عند باب عبد الله بن مسعود ننتظره، فمر بنا يزيد بن معاوية النخعي، فقلنا أعلمه بمكاننا،( أي بانتظارنا له) فدخل عليه، فلم يلبث أن خرج علينا عبد الله، فقال: إني أخبر بمكانكم فما يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهية أن أملكم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولنا بالموعظة في الأيام مخافة السآمة علينا »
إن النفس البشرية تمل بسرعة، وخوفا من أن يحدث هذا الملل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في تعليمهم الناس يباعدون بين الموعظة والأخرى، وينوعون في أساليبهم وخطاباتهم، ولهذا نجد من أحدث التقنيات والمناهج التعليمية المعاصرة تركز على التعليم باللعب ثم بالمتعة لأن الطفل لا يمكنه الملل من اللعب والمتعة، بل من خلالهما يكتسب طاقة قوية تجعله يمتلك نفسا طويلا في التعلم، وبل ولعله يأبى أن تتوقف العملية التعليمية نظرا للمتعة التي أصبح يجدها فيها.
4 – رعايته صلى الله عليه وسلم الفروق الفردية في المتعلمين:
وكان صلى الله عليه وسلم شديد المراعاة للفروق الفردية بين المتعلمين والمخاطبين والسائلين، فكان يخاطب كل واحد بقدر فهمه وبما يلائم منزلته، وكان يحافظ على قلوب المبتدئين، فكان لا يعلمهم ما يعلم المنتهين، وكان يجيب كل سائل عن سؤاله بما يهمه ويناسب حاله:
روى الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: » كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء شاب فقال: يا رسول الله، أقبل وأنا صائم؟ قال: لا، فجاء شيخ فقال: أقبل وأنا صائم؟ قال:نعم، فنظر بعضنا إلى بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد علمت لم نظر بعضكم إلى بعض، إن الشيخ يملك نفسه »
وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو قال: » جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم قال: ففيهما فجاهد »
هذا مع ما عرف عن النبي صلى الله عليه وسلم من الحض على الجهاد والهجرة والترغيب فيهما، ولكنه صلى الله عليه وسلم لاحظ حال هذا السائل بخصوصه، فرأى بر الوالدين أهم وأفضل في حقه من الجهاد، واختلاف أجوبة النبي صلى الله عليه وسلم لاختلاف أحوال السائلين وظروفهم وقدراتهم باب واسع له أمثلة كثيرة في كتب السنة المطهرة.
5 – تعليمه صلى الله عليه وسلم بالحوار والمساءلة
ومن أبرز أساليبه في التعليم كذلك الحوار والمساءلة لإثارة انتباه السامعين وتشويق نفوسهم إلى الجواب، وحظهم على إعمال الفكر للجواب ليكون جواب النبي صلى الله عليه وسلم، إذا لم يستطيعوا الإجابة، أقرب إلى الفهم وأوقع في النفس ولأن المحاورة تفتح الدهن.
روى البخاري ومسلم واللفظ لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم، يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا »
يعقب الشيخ أبو غدة على هذا الحديث قائلا: وفي هذا الحديث إلى جانب الحوار طريقة تمثيل المعقول بالمحسوس ليزداد الشيء المتحدث عنه وضوحا في نفس المتعلم، ووجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه، ويطهره منها الماء النقي، كذلك الصلوات الخمس تطهر العبد من أقذار الذنوب والخطايا.
ومن ذلك حديث أتدرون من المفلس؟ وحديث جبريل الذي كله حوار ومساءلة وتعليم.
6 – تعليمه بالمحادثة والموازنة العقلية:
ومن أساليبه صلى الله عليه وسلم في التعليم أنه كان يسلك في بعض الأحيان سبيل المحاكمة العقلية على طريقة السؤال والاستجواب، لقلع الباطل من نفس مستحسنه، أو لترسيخ الحق في قلب مستبعده أو لمستغربه.
فمن النوع الأول يقول أبو غدة: ما رواه أحمد والطبراني أن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنى، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه..مه
فقال صلى الله عليه وسلم: اذنه ( أي اقترب) فدنا منه قريبا فجلس، فقال صلى الله عليه وسلم له: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم.
قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم.
قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم.
قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداك.
قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم.
قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك،
قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم.
قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، قال: فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء »
ويعقب أبو غدة بقوله: فلننظر كيف استأصل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفس الفتى تعلقه بالزنى، عن طريق المحادثة والمحاكمة النفسية والموازنة العقلية. دون أن يذكر له الآيات الواردة في تحريم الزنا والوعيد للزاني والزانية، نظرا منه أن هذا أقلع للباطل من صدر الفتى بحسب تصوره وإدراكه. ونحن نقول: إن العلم الحديث في التعامل مع المراهق يثبت أربعة أساليب مجدية ومفيدة في التعامل معه، منها أولا: تقبل المراهق كما هو، وهو الأمر الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أدناه منه وأجلسه بالقرب منه، ثانيا: الدخول معه في حوار وهو الأمر الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثالثا: توظيف القيم التي يؤمن بها المراهق لإقناعه وإقامة الحجة عليه، وذلك ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قام بتوظيف قيم المجتمع الذي يعيش فيه هذا الشاب وهو الرفض المطلق أن يطال الزنى أمه أو أخته أو خالته أو عمته، فكانت المعادلة علمية عقلية جد مقنعة ورادعة في نفس الوقت، رابعا لمسة الحب والحنان والرفق، وهو الأمر الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضعه ليده على صدر الفتى، وأضاف عليه السلام شيئا خامسا مهما وهو الدعاء له حيث قال: » اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه، وحصن فرجه »
ومن الثاني قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم: » خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فقال: يا معشر النساء تصدقن، فإني أريتكن أكثر أهل النار، فقلن، وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن. قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن بلى، فقال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن بلى، قال: فذلك من نقصان دينها »
7 – سؤاله صلى الله عليه وسلم ليكشف ذكاءهم ومعرفتهم:
وتارة كان صلى الله عليه وسلم يسأل أصحابه عن الشيء وهو يعلمه، وإنما يسألهم ليثير فطنتهم، ويحرك ذكاءهم، ويسقيهم العلم في قالب المحاجاة ليختبر ما عندهم من العلم، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: » بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس، إذ أتي بجمار نخلة( أي قلبها وشحمها) فقال وهو يأكله: إن من الشجر شجرة خضراء، لما بركتها كبركة المسلم،( أي خيرها ونفعها) لا يسقط ورقها، ولا يتحات، وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟ ، قال عبد الله فوقع الناس في شجر البوادي، فقال القوم: هي شجرة كذا، هي شجرة كذا، ووقع في نفسي أنها النخلة، فجعلت أريد أن أقولها، فإذا أسنان القوم، فأهاب أن أتكلم وأنا غلام شاب، ثم التفت فإذا أنا عاشر عشر أنا أحدثهم أصغر القوم، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان فسكت.
فلما لم يتكلما، قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة.
فلما قمنا قلت لعمر أبي: والله يا أبتاه، لقد كان وقع في نفسي أنها النخلة، فقال: ما منعك أن تقولها؟ قلت: لم أركم تتكلمون، لم أرك ولا أبا بكر تكلمتما، وأنا غلام شاب، فاستحييت، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا، فسكت، قال عمر: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا »
يا لها من مسابقة ثقافية رائعة يديرها ويسيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونلاحظ من خلال ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم المجال للصحابة ليحصلوا على الجواب الصحيح قبل أن يذكره، أنه عليه السلام قد سبق العالم المعاصر بأزيد من خمسة عشر قرنا بالعمل بأحدث ما عندنا في الآليات التعليمية وهي إشراك الآخر في العملية فلا يكون سلبيا متلقيا من خلال تعليم بنكي جاف بل المتعلم جزء فاعل ومساهم فعال في الحصول على المعلومة،
8 – تعليمه صلى الله عليه وسلم بالمقايسة والتمثيل:
وتارة كان صلى الله عليه وسلم يقايس لأصحابه الأحكام ويعللها لهم، إذا اشتبهت عليهم مسالكها، وغمض عليهم حكمها، فيتضح لهم ما اشتبه أمره، وخفي فهمه، ويكون لهم من تلك المقايسة معرفة بمسالك الشريعة ومقاصدها، وفقه بمراميها البعيدة.
روى البخاري عن ابن عباس: » أن امرأة من جهينة، جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أمي نذرت أن تحج، فلم تحج حتى ماتت، أفأحج عنها؟ قال: نعم، حجي عنها، أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته؟ قالت: نعم، فقال: اقضوا الله الذي له، فإن الله أحق بالوفاء »
وفي حديث ذهب أهل الدثور بالأجور مقايسة بين التصدق بالمال وبين التصدق بالتسبيح والصدقة والتكبير والتحميد والتهليل وأمر بمعروف أو نهي عن منكر حتى قال وفي بضع أحدكم صدقة فسألوا كيف ذلك أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر، فشرح بقياس يجعلهم يفهمون ويقتنعون فقال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر.
ولمزيد من التوضيح يسترسل الشيخ أبو غدة قائلا: فقايس لهم صلى الله عليه وسلم مقايسة عقلية بين الأمرين، حتى اتضح لهم الحكم، وفهموا ما لم يكن يدور في خلدهم وهو أن مثل هذا الاستمتاع المشروع يكون به للمرء أجر وثواب، لما يترتب عليه من الآثار الحسنة، قياسا على الآثار السلبية التي تترتب عن الزنى.
وهناك أساليب أخرى كثيرة عدها العلماء في نحو من أربعين أسلوبا تعليميا مشوقا منها تعليمه بالتشبيه والمثل، وتعليمه بالرسم على الأرض والتراب، وتعليمه بالجمع بين القول والإشارة وتباين الصوت وهو ما يسمى حاليا بنظرية ألبر مهارابيان في الخطاب والتواصل، وتعليمه بإبراز الشيء بيده تأكيدا على رؤيته من طرف المخاطب أي مشاهدته بعينه واستماع الحكم فيه بأذنه مما يقوي ويعدد مداخل المعلومة إلى العقل، تعليمه بالجواب عن السائل بأكثر مما سأل عنه لكونه يعلم أن السؤال يحتاج معه لمعرفة أشياء أخرى حتى لا تلتبس على السائل، ولفته إلى السائل إلى ما لم يسأل عنه، واستعادته السؤال من السائل لإيفاء بيان الحكم، وامتحانه للصحابة بشيء من العلم وتكريم صاحب الجواب الصحيح بالثناء عليه إذا أصاب، تعليمه بالسكوت والإقرار، تعليمه بالممازحة والمداعبة، تعليمه بالتشويق لفتح شهية المتعلم، تعليمه باستعمال التكرار ليدرك عنه العلم، تعليمه بإمساك المخاطب بيده أومنكبه لإثارة انتباهه، تعليمه بإبهام الشيء لحمل المخاطب على الاستكشاف كما فعل مع عبد الله بن عمر في قوله عليه السلام: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، تعليمه بالإجمال أولا ثم التفصيل ليكون أوضح وأمكن في الحفظ والفهم، تعليمه بالتذكير، تعليمه بالترغيب والترهيب، تعليمه بالقصص وأخبار الماضين، تعليمه بالتمهيد اللطيف فيما يستحيا منه، أو اكتفاؤه بالتعريض والإشارة في تعليم ما يستحيى منه، أمره الصحابة بتعلم اللغات كتعلم السريانية…
ولا شك أن كل باحث درس سنته وسيرته الشريفة سيكتشف أساليب أخرى كثيرة ومتنوعة لا يمكن عدها لأنه معلم البشرية ورحمة العالمين صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الذين تحولوا من تلاميذ تتلمذوا على يديه صلى الله عليه وسلم إلى معلمين حملوا مشعل التعليم والتربية والدعوة إلى كل بقاع العالم
Aucun commentaire