على من يأتي الدور القادم للطرد من نعيم « حكومة البركة »؟
من غرائب الأمور، أن يجد المواطن نفسه في أزهى عصور التقدم العلمي والتكنولوجي، أمام رجل يقود حكومة بلاده، يضرب عرض الحائط بالبحث العلمي حول المناخ والبيئة، ويصر على أن ما عرفه المغرب من تساقطات مطرية مهمة، هبة من المولى عز وجل لدعم حكومته، التي جاءت لإخراج البلاد من غياهب « جفاف » عمر طويلا، وإنهاء مسلسل الفقر والتهميش…
والأدهى من ذلك، أنه لم يتوقف عند هذا الحد، بل زاد بأن صار يسوق لحكومته بأنها « حكومة البركة »، بدعوى أنها إلى جانب تهاطل الأمطار، انخفض في عهدها سعر البترول، وأنعم الله على بلادنا بالاستقرار، خلافا لدول الجوار. بيد أنه لم يذكر لنا شيئا عن مدى استفادة المواطن من « بركة » حكومته، وهو يعلم أن سيد الخلق قال في حديث شريف: « إن الله يحب أن يرى آثار نعمته على عبده ». اللهم إذا كان السيد عبد الإله بنكيران رفقة أعضاء حكومته وقياديي حزبه، يرون الأمور بنظارات سحرية فريدة.
فما يراه المغاربة في الحكومة، أنها حكومة شؤم وفضائح بامتياز، وإلا لما كانت أصيبت بعطل كبير في بداية مشوارها، حين أعد الحليف الأكبر حزب الاستقلال، إبان الذكرى الأولى لميلادها في: 3 يناير 2013، مذكرة عن « تقوية التنسيق ورفع وتيرة الأداء الحكومي »، لم تلق آذانا صاغية. وبما أنه رفض الاستمرار كمكون ثانوي، مقصى من صياغة السياسات العمومية، في حكومة بدت متفككة وعاجزة عن مواجهة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المتأزم بما يلزم من الفعالية، عدا ضرب القدرة الشرائية للمواطن، خارج أي حوار اجتماعي جدي ومسؤول مع النقابات ومكونات الائتلاف الحكومي، والتوافق حول استراتيجية واضحة، فإنه حفاظا على تاريخه النضالي الطويل، وخوفا من تبديد رصيده الشعبي والتضحية بمستقبله السياسي، قرر يوم 13 ماي 2013 الانسحاب من « حكومة البركة ».
وقد خلف هذا الانسحاب فراغا رهيبا وانتظارية قاتلة، أدخل البلاد في ارتباك خطير وعشوائية شديدة، وازدادت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية تدهورا، مما أدى إلى تضييع زمن سياسي ثمين، في مفاوضات طويلة مع ألد أعداء الأمس القريب، الأمين العام لحزب « الحمامة » صلاح الدين مزوار، وكلف الحزب الأغلبي ثمنا غاليا، بسحب حقيبة وزارة الخارجية من أحد أبرز قيادييه سعد الدين العثماني…
تبخرت وعود رئيس الحكومة، اختفت الخطب الحماسية حول محاربة الفساد والقضاء على اقتصاد الريع، وظهر العجز واضحا عن معالجة معضلة البطالة، وإصلاح صندوق المقاصة بشكل كامل وإنقاذ صناديق التقاعد من الإفلاس، والنهوض بمنظومة التربية والتكوين والصحة والقضاء وتوفير السكن اللائق للمواطنين البسطاء…
وفي ظل « حكومة البركة »، جاء يوم 7 يناير 2014 بلاغ من الديوان الملكي، يعلن طبقا لأحكام الفصل 47 من الدستور، عن قرار الملك محمد السادس إعفاء محمد أوزين، من مهامه كوزير للشباب والرياضة، بعد أن ثبتت مسؤوليته السياسية والإدارية المباشرة، في شأن فضيحة ملعب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، الذي تحول إلى بحيرة مائية أمام أنظار العالم، خلال إحدى مقابلات بطولة العالم للأندية البطلة في كرة القدم، والتي ذهبت بمبلغ 22 مليار سنتيم من أموال الشعب. في حين أنه كان يتعين على رئيس الحكومة، أن يقوم قبل تدخل الملك بطلب الإعفاء منذ اللحظة الأولى، بدل التصدي لاحتجاجات الشارع بالقول « إن المسألة لا ترقى إلى مستوى الكارثة الوطنية »، وانتظار المباغتة بتلك الصفعة القاسية.
اعتقد الجميع أن الرجة سيكون لها ما بعدها، وتنتفض « حكومة البركة » ضد الارتجال والاستهتار، تجنبا لمزيد الانتكاسات. غير أن ما تم القيام به من تقويم عرجها لضمان سيرها الطبيعي، لم تجد معه العكاكيز الاصطناعية نفعا، حيث تكاثرت الزلات والسقطات، ولم يعد من شيء يحجب الرؤية والحقائق التي تكاد تفقأ العيون. تمادى بنكيران في قراراته اللاشعبية وإغراق البلاد في مستنقعات المديونية، وتم رفع الدعم عن المحروقات لتشتد الأزمة على المواطنين. فتعددت المشاكل والفواجع والفضائح والفيضانات وحوادث السير وسوء التدبير، وزاد الأمور تعقيدا والنفوس إحباطا، الدوس على تخليق الحياة العامة وارتفاع حرارة التنابز بالألقاب. فلا تكاد تنتهي معركة إلا لتبدأ أخرى بمصطلحات أكثر وقعا على متتبعي هذا المسلسل التافه « المساءلة الشهرية ». إذ تنطلق حملة الشتائم من البرلمان وتمتد إلى خارج أسواره، بزعامة الرجل الثاني في هرم الدولة، المصر دوما على رد الصاع صاعين، لمن يزعم أنهم يكنون له الكراهية ويسعون إلى محاولة إسقاط حكومته « المباركة ».
وفي أوج تذمر المغاربة من فشل الحكومة في إدارة الشأن العام، وتدني مستوى الخطاب بين الفاعلين السياسيين. طفت على السطح فجأة، قصة حب حارقة بين وزيرين من الحزب الحاكم: حبيب الشوباني الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، وسمية بنخلدون الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وهي بالمناسبة حديثة الطلاق، وجدة لثلاثة أحفاد. حيث أحدث الخبر ضجة قوية، وفجر نقاشا حادا في البيوت والشارع ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية.
وإذا كان أعضاء وأنصار الحزب الحاكم يعتبرون المسألة شخصية، فقد اعتبرها آخرون كثر تحقيرا للمرأة، سيما عندما دفع الوزير بزوجته إلى خطبة ضرتها، بهدف شرعنة التعدد ضدا عن مدونة الأسرة. فأين نحن من المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف بلادنا؟ وكيف تقبل وزيرة مثقفة وذات مكانة مرموقة أن تكون زوجة ثانية، دون مراعاة لمشاعر الزوجة الأولى، وأبنائها وأحفادها وطليقها؟
ولأنه يستحيل العودة للخلف، بعدما خطا المغرب خطوات عملاقة في طريق الديمقراطية والحداثة، كان ضروريا صدور بلاغ الديوان الملكي يوم 12 ماي 2015، ليعلن وفق أحكام الفصل 47 من الدستور عن قرار الملك بإعفاء: عبد العظيم الكروج من حزب الحركة الشعبية، الشهير بفضيحة الشكلاطة ذات 33 ألف درهم، التي أسالت مدادا غزيرا منذ النسخة الأولى للحكومة، و »الكوبل » حبيب الشوباني وسمية بنخلدون. ويبدو جليا أن مسألة العريسين تتعلق بسمعة البلاد، أكثر منها استقالة ل »وضع حد للتشويش السخيف، والمتاجرة بأعراض الناس وحياتهم الشخصية » كما ادعت الأمانة العامة للحزب. وشتان بين التطور والتحجر !
وختاما، دعونا نتساءل: أين وصل الافتحاص المالي لحقيبة الشوباني (مليار و700 مليون سنتيم)؟ ومن أين للحكومة ب »البركة » في ظل ما أنتجته من « كوارث »، وقد تعددت إلى ثلاث نسخ خلال ثلاث سنوات ونصف، وبلغ عدد وزرائها بين مغادرين وجدد خمسين وزيرا، مما سيكلف الخزينة العامة هدر ثروة طائلة بين الأجور والتعويضات والمعاشات؟
سارعوا إلى علاج أنفسكم من آفة الهذيان، فما عاد أحد يصدقكم. وتذكروا أن أبراهام لنكولن قال يوما: « يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت »
Aucun commentaire