فرنسا و أيديولوجية الأنوار
فرنسا و أيديولوجية الأنوار
مقاربة من الداخل و الخارج
كان يوم السبت حيث حظر حضور قليل ليلة زفاف الرئيس ساركوزي في بداية شهر فبراير بينما كانت حشود المتمردين المسلحين على مشارف العاصمة التشادية- كل شيء كان جميلا لولا أن مخططات الانفصاليين لم تتصادف مع العرس الثالث للسيد الرئيس الذي تدخل رغم ذلك في أول يوم العسل لإنقاذ زميله "ديبي" المنتخب ديمقراطيا في تشاد-
فسالت نفسي بنفسي لما هذا الاهتمام هل هو لحب سواد الأفارقة و سواد عيونهم لماذا تمتلك جمهورية الأنوار الحدود مع البرازيل و استراليا و مدغشقر أتريد أن تتجاور مع السودان في دارفور-
أسئلة و غيرها كثير ربما تساعدنا على فهم إيديولوجية أصبحت لا تصلح للاستهلاك الخارجي كما أمسى رجال السياسة في الداخل يخافون على مستقبلها بما أسموه أخيرا "الحذر الجمهوري"-
فرنسا في اسبوع فرس تشاد
للإشارة فقط لقد انقلب الرئيس الحالي "ديبي" على الديكتاتور السابق "حسين هبري" في بدعم من فرنسا التي بقيت على عهدها فتدخلت عبر ليبيا لإمداد الجيش النظامي1990
التشادي من اجل رد المتمردين- فهي كما يسميها البعض "دركي إفريقيا" فالرئيس التشادي منتخب ديمقراطيا –
لقد أرسلت طائراتها لإجلاء مواطنيها كي يفر اللاجئون التشاديون إلى الكامرون و يختفي المعارضون السياسيون- و لسنا ههنا لمحاكمة طرف من الأطراف و لا حتى التحيز إلى جهة من الجهات- فالذي نعرف أن فرنسا تبعد عن تشاد ألوف الكيلومترات إنما بودنا أن نفهم من علاها و من ولاها هذا المنصب-
صحيح أن هذا الوقت الذي نتكلم فيه كما قال الرئيس السينغالي تفقد فرنسا فيه أسواقا عالمية لصالح الصين و الهند- و أظنها ستفقد أكثر نتيجة سياساتها لأنه يبدو عليها لا زالت تتعامل مع عالم ما قبل الحادي عشر من شتنبر- هذا فضلا عن الداخل الذي يعرف بوادر تحولات تعرف عند السياسيين و المعارضين بما يسمى "الملكية المنتخبة"-
لكل بلاد سنوات رصاصها
2005
نأتي من الآخر في نوفمبر من سنة
انفجرت أحداث ضواحي باريز العاصمة و في نفس الشهر من السنة الماضية اندلعت أحداث اخطر- ذلك أن الشباب المنحدر في اغلبه من أصول الهجرة رشق رجال الأمن بالرصاص و أصاب بجروح ما يقارب المائة منهم- لكي تتراجع أجهزة الدولة عن الموجهة إلى حين أعدت مخططا لاقتحام المنازل في الصباح الباكر- بعدما خصصت مكافئة لكل من بلغ عن شخص متورط في تلك الأعمال رغم أن القانون الفرنسي يمنع تلك الوشاية إذا ما كانت بدون اسم صاحبها-
لقد ذكرني ذلك التدخل الحضاري بفصول المسلسل الجزائري "الحريق" كيف كانت تقتحم البيوت و قلت في نفسي يا لتعاسة هؤلاء لقد فر آباؤهم من "سنوات الرصاص" هناك لكي يحيوها بدورهم في شكل اخر- و كان التاريخ يعيد نفسه-
هناك سؤال اطرحه و قرنائي دوما و مؤداه كيف لهؤلاء الشباب المنحدر من أصول الهجرة أن يضجر و هو لا ينقصه شيء- لديهم تعويضات اجتماعية و حقوق يكفيهم كما نقول أن يدرسوا جيدا و أن يشتغلوا— و لكن لماذا يقول مدير شركة فرنسية من كبريت الشركات مثلا ما مفاده "دلوني على الشباب المهاجر من شمال إفريقيا اشغلهم فورا و أفضلهم على هؤلاء المزدادين هنا" فقيل له لماذا قال "لان الشباب المهاجر لديه حس العمل"- فكنا نظن أننا أفضل و أحسن و تذكرت ذلك النص التاريخي الذي يتحدث فيه جنرال الماني أيام الحرب العالمية عندما يتحدث عن اختراق سلاسل جبلية من طرف الحلفاء- يقول عنها "إنها مرتفعات لا يقوى عليها إلا البغال—" و هو يشير في ذلك إلى إشراك أبناء المستعمرات في تلك الحرب-
على كل إذا كان للشباب المهاجر "حس العمل" فعلا فلماذا لم يشتغلوا في بلدانهم- ربما كما نقول لأنها فقيرة- إنما يجب أن نعترف بكون المهاجر عندما يأتي الى هذه البلاد فهو يسعى إلي بذل كل مجهوده لتسوية وضعه القانوني و بالتالي ينسى نفسه في هول الحياة الجديدة محاولا أن لا يتفاوض أو يناقش لأنه على كل حال قد وجد وضعا لم يجده في بلده- بينما كل هذا لا يبحث عنه الشاب المزداد هنا في فرنسا فهو لا يتوق إلى الخبز و إنما هو يقرع الملفات الصعبة و الثقيلة مثل مساواة الحقوق و هو ربما قد يتمرد ضد الإقصاء و العنصرية—
العقوبة الثلاثية
و نحن على عتبة إنهاء العشرية الأولى من الألفية الثالثة نلحظ تحولات و تغيرات هامة تنبئ بعالم أخر- لكن تبدو الحضارات السائدة حاليا و كأنها بدت تفقد صوابها- فهي مطالبة أكثر من قبل بتغيير مخططاتها و خطاباتها لان الوقت عجلة أصبحت تتحكم فيها قوى أخرى جديدة-
لكن من اجل ما نسميه الموضوعية و العلمية لابد لنا من ضرب مثال أوقف الكثيرين من علماء الإجرام و الاجتماع و هو ما يسمى "العقوبة المزدوجة" في فرنسا- حيث أن المجرم المهاجر المرتكب لجريمة ما يحكم بعقوبة حبسية يقضيها في فرنسا و بمجرد خروجه يحول مباشرة و نهائيا إلى بلاده الأصلية-
مؤخرا في استراسبورغ حيث توجد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكم على معارض سياسي للنظام التشادي بمغادرة التراب الفرنسي- فقلت إذا كان لجهورية الأنوار مشروعية الدفاع عن ترابها الوطني و لها الحق – كما اعتقد- في إبعاد المهاجرين السريين فمن الغريب العجيب أن تعاقب الأفارقة في بلدانهم وإذا ما هاجروا إليها ألقت بهم خارج حدودها بعد قضاء عقوبتهم الحبسية في سجون الأنوار-
بيت القصيد في الأخير أن تلك الأنوار التي يعرفها الفيلسوف "كانت" بالانتقال من الوصاية إلى المسؤولية- هي كما يبدو وقف عليهم وحدهم و لكن "لو دامت لأحد" لدامت النجوم بلا أفولها-
رسالة فرنسا / سمير عزو
Samir.azzou@caramail.com
Aucun commentaire