مفهوم الخطأ المهني وضمانات الموظف أمام المجلس التأديبي
تقوم كل مسؤولية تأديبية يتعرض لها أي موظف عند إخلاله بواجباته المهنية على فرضية ارتكابه لخطأ أو مخالفة ما ،غير أن المشرع في هذا الباب ،لم يحدد تعريفا دقيقا لهذه المخالفة أو الخطأ،وذلك لكون تحديده يخضع لعدة عوامل وظروف مهنية و شخصية كذلك ، تتعلق بالموظف نفسه في علاقته بالظرف المهني ،وهو في ذلك يختلف عن الخطأ الجنائي المحدد قانونا بالمدونات الجنائية الدقيقة والمرتبة فعلا وعقوبة،ولكن المشرع وقف في الفصل73 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية عند اعتبار الخطأ بشكل عام هو كل هفوة خطيرة يرتكبها الموظف ،سواء تعلق الأمر بإخلال في التزاماته المهنية ،أو بجنحة ماسة بالحق العام يترتب عنها توقيفه حالا من طرف السلطة التي لها حق التأديب،وتبعا لذلك فإن السلطة التي تتداول أو تقر ر في الموضوع هي التي تملك الصلاحية والسلطة التقديرية في تحديد الخطأ المرتكب من طرف الموظف وربطه بمسؤولية الموظف في ذلك،وبالتالي تقرن الأمر بصحة ومشروعية المتابعة التأديبية،وفي حالة الخلاف فإن المشرع خول القضاء الإداري بدوره صلاحية الرقابة على القرار التأديبي ،ومن ثمة تصبح له سلطة تقديرية أعلى لمتابعة مدى تكييف السلطة المهنية للخطأ والمتابعة التأديبية وهذا بالطبع جانب آخر من جوانب الضمانات المخولة للموظف في مواجهة الإدارة التي ينتمي إليها بشكل عام،سواء عند تحريك المسطرة التأديبية من طرف الأكاديميات أو من طرف سلطة التعيين .
وإذا كان المشرع قد استنكف عن تحديد مفهوم الخطأ المهني لشساعته أو تعدده أو عدم ثبوتيته فان تغاضى كذلك عن التمييز بين الخطأ الجسيم والخطأ البسيط ،ودفع بخصائص المسؤولية التأديبية كي تحيط بالفعل من خلال مجموعة من المعايير الاحتياطية والزجرية أكثر من العقابية المحضة ، بمعنى الفعل ورد الفعل ،وأهم هذه الخصائص أنها تتحدد من طرف سلطة التسمية،وأنها مسؤولية إدارية ومهنية لا تمس إلا الوضعية الإدارية والمهنية للموظف وأن مجالها كذلك محدود بظروف الواقعة والحالة الخاصة للموظف.
وطبقا للفضل65 من النظام الأساسي للوظيفة العمومية فإن سلطة التسمية هي السلطة المخولة قانونا بتطبيق العقوبة،وهي دليل على طبيعة تصور المشرع المغربي للتأديب حيث أخد في ذلك بالنظام شبه القضائي،كما خول المشرع صلاحية اتخاذ عقوبة الإنذار والتوبيخ لمديري الأكاديميات دون الرجوع لاستشارة اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء ،وفي ذلك فان السلطة الرئاسية مخولة أيضا صلاحية مراقبة عمل المرؤوسين،فتلغي قراراتهم أو تقوم بتعديليها آو تحل محل مرؤوسيها في حالة الفراغ الإداري الناتج عن تجاهل أو رفض تنفيذ التعليمات الرئاسية ،وهنا وبالرغم من عدم وجود نص قانوني ،فان السلطة الرئاسية مخولة صلاحية توقيف موظف ما بشكل مؤقت إذا اخل بالواجبات المهنية ،ويندرج التوقيف المؤقت في باب اعتبارات المصلحة ،كما يمكن استخلاصه من الفصل 73 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية السابق الذكر،كما انه إجراء استثنائي تلجا إليه الإدارة في حالة الضرورة القصوى ،أي في حالة الحاجة إلى حماية المؤسسة التعليمية أو التلاميذ أو الموظف نفسه في حالة استمرار بقائه أو تواجده بالمؤسسة واستمراره في أداء عمله ،وحسب الحالات التي تم فيها هذا الإجراء فان حالات التحرش الجنسي أو هتك العرض أوما شابههما تأتي على رأس الحالات التي طبق فيها هذا الإجراء عادة ،وتتحدد العقوبات بشكل عام في :
* عقوبات تأديبية.
* عقوبات تأخذ من الموظف بعض أو كل الامتيازات المهنية والوظيفية.
* عقوبات تضع حدا لرابطة التوظيف بين الموظف وإدارته سواء بصفة مؤقتة أو نهائية.
وبالرغم من كون المشرع لم يحدد في المجال التأديبي درجة الخطأ ولا حتى مفهوم الخطأ نفسه إلا انه أحاط تطبيق الزجر في المجال التأديبي بعدد من الضمانات ،كالرقابة القضائية كما وسع ضمانات الموظف لدى مثوله أمام المجلس التأديبي بضمانات حقه في الإطلاع على ملفه التأديبي وحقه في اختيار وإحضار شهود النفي ودعوة من يدافع عنه إذا ارتأى ذلك بما فيه توكيل محام للقيام بإجراءات الدفاع خلال الإطلاع على الملف أو أثناء سريان الاستماع إليه من طرف اللجنة الإدارية المتساوية الأعضاء…الخ،وبالرغم من كل ذلك فان المشرع ركز العقوبات التأديبية على مجموعة من المبادئ أهمها :
* مبدأ شخصية العقوبة ،أي أن الموظف الذي تثبت المخالفة في حقه يتحمل شخصيا العقوبة المقررة.
* مبدأ عدم رجعية العقوبة ،وتقتضي خلق وضعية قانونية جديدة لم تكن موجودة من قبل ،ومن ثم فان سريانها سيكون محددا قانونيا في بدء توقيع العقوبة ،وليس بأثر رجعي.
* مبدأ عدم جواز تعدد العقوبات ،والقصد منها عدم توقيع أكثر من عقوبة واحدة على نفس الخطأ خلال نفس الفترة الزمنية التي ارتكب الفعل فيها ،أي عدم توقيع عقوبتين لنفس الخطأ ،وهنا لابد من الإشارة إلى آن الاقتطاعات التي تلجا أليها الإدارة في مقابل التغيب عير المبرر لا تعد عقوبة ولكنها إجراء محاسبي يخضع للنظرية القائلة أنه لا أجر بدون عمل ،طبقا للمرسوم الملكي رقم330.66 بمثابة النظام العام للمحاسبة العمومية،ولا يعد هذا القرار عقوبة بأية حال.
* مبدأ المساواة في العقوبة ،وبمقتضاه فان العقوبة يجب أن لا تختلف باختلاف الأشخاص ومراكزهم الإدارية إذا كان الجميع متشابها في المخالفة واجتماع ظروف ارتكابها .
* مبدآ تناسب العقوبة مع الخطأ ،ومعناه أن المخالفات البسيطة يجب أن يضطرد معها ما يناسبها من العقوبات ،وكذا الخطأ الجسيم يتطلب بالطبع عقوبات تتناسب مع حجم الضرر الذي يمكن أن يكون قد تترتب على الفعل المرتكب.
وإذا كان القانون قد منح للإدارة كل السلط لمراقبة ومحاسبة موظفيها ،فقد حد نسبيا من سلطتها التقديرية في التعسف أو الشطط ،وعليه فإن الكثير من الأحكام القضائية الصادرة عن المحاكم الإدارية بالمملكة قد أرجعت الأمور إلى نصابها ،كما أن المشرع تدخل للحد من الشطط بالتقليص من هامش السلطة التقديرية للإدارة وذلك مع صدور الظهير الشريف رقم1.02.202 المؤرخ في 23يوليوز2002 بتنفيذ القانون 03.01 بشأن إلزام الإدارات العمومية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية بتعليل قراراتها الإدارية،وبمقتضى ذلك فقد أصبحت الإدارة ملزمة بتعليل قرار العقوبة التأديبية تحت طائلة عدم الشرعية،بالتعبير صراحة عن الأسباب القانونية والواقعية التي تبرر القرار.
إضافة لكل ذلك فان قرارات اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء هي إجراءات تحضيرية وغير تنفيذية ،تخضع للنظرية القانونية المتعلقة بالاختصاص ،والتي تحصر عمل اللجنة الإدارية في حالة انعقادها كمجلس تأديبي على أنها لجنة استشارية تدخل في إطار الاجراءات التشاركية فيما بين الإدارة والموظفين ،وقراراتها التأديبية ليست نهائية إلا عند تبنيها من طرفة سلطة التسمية التي هي المسؤول الإداري المخول له قانونا باتخاذ العقوبات باستثناء عقوبتي الإنذار والتوبيخ اللتين خص بهما المشرع المسؤول الإداري دون الرجوع لاستشارة المجلس التأديبي ،وهو الاختصاص المفوض لمديري الأكاديميات حاليا .
ومنذ ظهور المذكرة الوزارية رقم30 الصادرة بتاريخ27 ابريل 2005،والمذكرة الوزارية رقم19 الصادرة بتاريخ17 مارس2004 والمذكرة الوزارية رقم90/268 بالصادرة بتاريخ27 يونيو2005 بخصوص منشور الوزير الأول عدد :8/2005 الصادر بتاريخ11ماي2005 ومنشور وزير تحديث القطاعات العامة رقم 04 بتاريخ19 ماي2003،بخصوص الرخص الصحية والتغيب عن العمل ،أصبحت الملفات المتعلقة بالتغيبات غير المبررة تتصدر الملفات التأديبية في أغلب الأكاديميات ،وترفق أحيانا بمخالفة بمغادرة التراب الوطني دون ترخيص ،تليها الملفات البيداغوجية المتعلقة بالإهمال والتهاون والاستخفاف بالمسؤولية ،أو بالسلوكات المنافية للمسؤولية المهنية ،كالاعتداء على التلاميذ أو عدم الالتزام بتعليمات الرؤساء ،إضافة إلى الملفات التي يعرض بموجبها الموظف تلقائيا على أنظار المجلس التأديبي مثل الاجراءات التي تستتبع تطبيق إجراءات الفصل 75 مكرر من النظام الأساسي للوظيفة العمومية ،واجتماع المتابعة القضائية المتبوعة بالمؤاخذة مع تحريك المسطرة التأديبية.
ولا يزال تدبير الملفات التأديبية دون الأهداف الحقيقية التي سنها المشرع في هذا الباب ،ويرجع ذلك لأسباب كثيرة تتعلق بطبيعة الملفات التاديبية كملفات شبه قضائية ،وكذا لكون أغلب النيابات لا تدرك الأهمية الحقيقية للأهداف التربوية والإدارية وراء نظام التأديب ،فتعتمد موظفين غير مؤهلين للقيام بتدبير ها ، تبعا لملاحظة الأستاذ خالد بنيشو في كتابه اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء ،ص33ك الصادر عن منشورات صدى التضامن سنة2003،كما أن هذه الملفات لا تخضع للمتابعة والاستثمار من طرف النيابات الإقليمية للوزارة ،وتلك إشكالية أخرى أخطر بكثير ،تتعلق بطبيعة الاختصاصات ومعايير إلحاق الموظفين بمصالح النيابات والاسس المعتمدة في التكليف بالمهام الإدارية .
محمد المرابطي
Aucun commentaire